بعد تَتبُّعنا لكثيرٍ من الحالاتِ التي تَرِدُ على مركزِ زُلْفى للاستشاراتِ الأسرية، ومحاولةِ معرفةِ أسبابِ المشاكلِ والخلافاتِ الزوجية، وعدمِ التوافقِ بين الزوجين، نَجِدُ بأنَّ أغلَبَها يَعودُ إلى عدمِ فهم الزوجين لبعضِهما، وجهْلِهِما باحتياجاتِ الطَّرَفِ الآخرِ ورغباتِه، ومن هنا سنُحاوِلُ إطلاعَكم على طُرُقٍ فعَّالةٍ في فَهم الآخرِ ومعرفةِ ما يريدُه ويحتاجُه.
إذا أرَدتَ أن تَعرفَه فاسْأَلْه:
يَشتكي عددٌ كبيرٌ من المتزوجين من كَوْنِهم لا يَفهَمون الطرفَ الآخر، ولا يَستطيعون معرفةَ رغباتِه، وهذا أمرٌ طبيعي، خاصةً في السنواتِ الأولى من الزواج، والأشخاصُ الذين يفهمون بعضَهم لا يَمتَلِكون قدراتٍ خارقةً تَمكِّنُهم من قراءَةَ أفكارِ الآخرين، بل إنهم بكلِّ بساطةٍ يَسألون أسئلةً مباشرة: ما الذي تُريده؟ ما هي الأشياءُ التي تُحبها؟ أيُّ الأمورِ تُزعِجُك؟ ومن خلالِ تكرارِ مثل هذه الأسئلةِ بشكلٍ مناسب، تَتكون لديهم مع الوقتِ معرفةٌ وفهمٌ عميقٌ بالطَّرفِ الآخر.
لا تَعتَقد بأن ذلك سيزعجُه أو يُسبِّبُ له الإحراج، بل إنه سيَرْتاحُ لمثلِ هذه الأسئلة، وستُشعرُه بمدَى اهتمامِك واعتنائِك به.
إن الاهتمامَ من أبرزِ الحاجِياتِ النفسيةِ للإنسان، وهي حاجةٌ لا تَفْتُرُ مهما كان مستوى الإنسانِ المعرِفِيِّ، أو قيمتُه أو مكانتُه الاجتماعيَّة، ولكن الأزواجَ في الغالِبِ يَغْفَلون عن إِظهارِ الاهتمامِ ببعضِهم بسبب الاعتيَاد؛ حيثُ يُصبِحُ تفكيرُ الزَّوجِ مُنصَبًّا على العملِ وتوْفيرِ مسْتلْزَماتِ البيتِ والأبناء، ويَنصَرِفُ تفكيرُ الزّوجةِ للتّركيزِ على المطبخِ والتّنظيفِ وتربيّةِ الأولاد، وهكذا يَحدُثُ نوعٌ من الإهمالِ غيرِ المقصود، يَتَرتَّبُ عنه عدم فهمٍ للآخرِ، وجَهلٌ برغَباتِه واحْتياجاتِه، مما يَتسبَّبُ في الكثيرِ من المشاكلِ الزوجية.
وعندما نَتحدَّث عن الاهتمام، فإننا لا نَقصدُ التّركيزَ فقط على الجوانبِ المهمَّةِ في حياة الطّرفِ الآخر، بل والاهتمامُ كذلك بتفاصيلَ نَعتَبرها نحن غيرَ ذاتِ أهمِّيَّة، لأن التّركيزَ على تلك التَّفاصيلِ سيُعطِينا فهمٌا أدقَّ وأوضحَ عن شَريك الحياة.
فحاول أيُّها الزَّوجُ الطيِّبُ، أن تكون صَبورًا وأنتَ تَستَمعُ إلى زوجتِك وهي تحدِّثك عن أعمالِها المنزلية التي تبدو لك أعمالا رَتِيبة، وأن تُنصِتَ لها بتمعُّنٍ وهي تُخبرُك عن ألمٍ خفيفٍ أحست به في قدمَيْها، وأنتِ كذلك أيَّتُها الزوجةُ الكريمة، إن كان زَوْجُك يُحبُّ أن تُطْوَى ثِيابُه بطريقةٍ معيَّنة، أو أن تُوضَعَ أغْراضُه وِفْقَ تَرتيبٍ معيَّن، فلا تَعتبِري ذلك أمرا تافِها، واهتمامُكما بمثل هذه التفاصيل، سيُضْفِي على علاقَتِكما جَوًّا من الأُلْفَةِ والتَّفاهُم العمِيق.
أُطْلُبْ ما تُريدُه:
إذا كان شريكُ حياتِك غيرَ قادرٍ على سُؤالِك عن رَغباتِك، ولا يَفهَمُ احتياجاتِك، فلا تَتردَّد في طلبِها منه بشكلٍ مُباشر، وبذلك تُساعدُه على فَهمِك ومعرفةِ اهتماماتك، ولكن ينبغي مُراعاةُ بعضِ الشُّروطِ التي تَجعل طلَبك مقبولًا ومُرحَّبا به، ومنها ما يلي:
- اختيارُ الوقْتِ المناسب: يَنبَغِي على كلا الزوجَيْن مُراعاةُ الوقتِ المناسبِ لتقديمِ طَلَباتِهما، فلا تُبادِرِي أيُّتُها الزوجةُ بطَلبِ شيءٍ من زوجِكِ حالةَ كونِهِ مُنْزعِجًا من العَمل، أو تَعرُّضِه لضُغوطٍ مالِيَّة؛ لأن ذلك سيُشعِرُه بأنَّكِ لا تَعبَئِين لظُرُوفِه، ولا تُفكِّرين إلا في نَفْسِك ومَصْلَحتِك، وكذلك الحَالُ بالنِّسبَةِ لكَ أيُّها الزَّوْج، عليكَ أن تَختارَ أنْسبَ الأوقاتِ لتَطْلُبَ من زَوْجَتِك ما تَرْغَبُ فيه، مُراعِيًا في ذلك مِزاجَها وحالَتها الصِّحيَّة، لأن الطَّلباتِ المقدَّمَةَ في وَقتٍ غيْرِ مُناسِبٍ غالِبًا ما تُقابَلُ بالرَّفْض.
- الاختصارُ والوضُوح: على المرأةِ أن تَفهَمَ بأنَّ أغْلبَ الرِّجالِ يُحبُّون الكلامَ الواضِحَ والمخْتَصَر، ويَنزعِجُون من كثرةِ الكلام، واللَّفِّ والدَّوران حولَ الموضُوع، والغُموضَ في العِبارات، ومن هنا نَنْصَحُكِ بأن تُقدِّمي طَلبَك لزوْجكِ بعبارةٍ واضحةٍ موجَزة، وستَجِدينَه في الغالبِ يَتقبَّلُ طلَبَكِ بكلِّ ارْتِياح.
- لا حاجةَ للإقْناعِ والجِدال: إذا تَقدَّمْت أيُّها الزوجُ أو الزوجةُ إلى شَريكِ الحياةِ بطلَبٍ ورَفَضَ تَلبِيَّته، فلا تُحاوِل الدُّخولَ معه في نِقاشٍ وجِدالٍ بهَدَفِ إقْناعِه والضَّغطِ عليه للموافَقة، لأنَّ مثلَ هذه المجادَلَةِ لن تُثمِرَ في الغالِب، بل ستُفْضي إلى سوءِ تفاهمٍ بينَكما، لِذَا يُفضَّلُ تَجاهُلُ الأمرِ أو تَأجيلُه إلى وقتٍ آخر.
- تَجنَّبَا صِيغةَ الأمر: لا أَحدَ يُحبُّ أن تَوجَّه إليه الأوامرُ وأن تُفرَضَ عليه الطَّلباتُ فرْضًا، وخاصةً إذا كانَ الأمرُ بين شخصيْنِ تَربِطُهما علاقةُ مودَّةٍ ومحبَّة، فإذا أردْتَ أن تَطلبَ شيْئا من شَريك حَياتِك، فحاولْ طَلَبَه بأسلوبٍ مُهذَّبٍ وصيغَةٍ لائِقَة، مع اختيارِ عباراتٍ فيها بَعضُ التَّودُّد، أو مَصحُوبَةً بالثَّناء، مما سيَجعَلُ الطَّرفَ الآخرَ يُوافِقُ على طلبِك بِكلِّ سُرور.
- التجديدُ والبُعْدُ عن الرَّتابَة: علينا من حينٍ لآخرَ أن نَطلُبَ أشياءَ جديدةً وغيرَ مُعتادَة، تُسْهِمُ في كَسْرِ الرَّتابَةِ والمَلل، وتُضْفِي على حَياتِكُما الزوجيةِ جدَّةً وحيوِيَّة، ومثلُ هذه الطَّلباتِ قلَّما تُواجَه بالرَّفْض، بل إنَّ الطَّرفَ الآخرَ سَيُسرُّ بها، ويَنتظِرُ مثلَها بِفارِغِ الصَّبْر، إن كانت لا تَتجاوَزُ إمكاناتِه.
- الجرأةُ والصَّراحَة: قد نَكبِتُ الكثيرَ من رَغباتِنا، ونَتجاهَلَ احتياجاتِنا بسبَبِ عدَمَ قُدرَتِنا على البوْحِ بها، وقولِها لشَريكِ حياتِنا بشكلٍ صَريح، ويَستَمرُّ ذلك الكَبْتُ والصَّمْتُ إلى أن يَتحوَّلَ إلى غُصَّةٍ في النَّفْس، يَشعُرُ معها الطَّرفُ الصَّامِتُ بالظُّلمِ وعدمِ الاهتِمام، ولتَجنُّبِ مثلِ هذا المصِير، يَنبغِي لَنا اكتِسابُ بعضِ الجُرأةِ المتَّزِنَة، ومُصارَحةِ شريكِ الحياةِ بما نَشعُرُ به ونُريدُه من دونِ خجَل، وبهذه الصراحةِ ستزْدادُ ثقةُ الطَّرفَينِ في بعضِهما، وتَتوَثَّقُ عُرَى المودَّةِ بينهما.
باتِّباعِكُما لمثلِ هذه الخُطُواتِ والشروطِ في تقديمِ طلَباتِكما، ستُلبَّى الكثيرُ من الاحتياجاتِ والرَّغبات، وسيزْدادُ فهمُكما لبعضِكُما، إلا أن ذلك لا يَعني أنَّ الطَّرفَ الآخرَ سيُلبِّي جميعَ الطَّلبات، فذلك شِبه مستَحِيل، لِذَا لا يَنبغِي الانزِعاجُ من اعتذارِه عن عدَمِ قدرَتِه على تلْبِيَّةِ طلَبِنا، بل يَجِبُ أن نُقابِلَ اعتذارَه بالتَّفهُّم والقَبول، ونُثْني في المقابِلِ على الأشياءِ التي قَبِلَها ونفَّذَها لَنا.