النَّشاطُ الزَّائدُ عندَ الأطفال
يُعدُّ النشاطُ الزائدُ عند الأطفال، من الأمورِ التي تُشكلُ حرَجا كبيرا وحِمْلا ثقيلًا على كثيرٍ من الأسر؛ حيث يُسببُ لهم ذلك ضَغْطا هائلا في البيت، نظرا لكثْرةِ حرَكةِ الطفلِ وكلامِه وإزعاجِه، ويُسبِّبُ لهم كذلك حرَجا مع الأهلِ والأصدقاءِ كلَّما قاموا بزيارَتِهم؛ حيث يَبدُو طفلُهم وكأنه غيرُ مُهذَّبٍ ولا يُمكنُ التحكُّمُ فيه، وليس ذلك فحسب، بل إنهم يَجدُونَ صُعوبةً في تَسجِيلِه بمدرسةِ مُناسِبة، بِسببِ رفْضِ كثيرٍ من المدارِسِ تسْجيلَ الأطفالِ المصابينَ بالنَّشاطِ الزَّائِدِ في فُصولِها.
لذلك رَأيْتُ أنه من الضَّرورِيِّ الحديثُ عن هذه المسألة؛ لأعَرِّفَكم بحقيقةِ النشاطِ الزائِدِ عند الأطفال، وأَقِفَ معكم على أعْراضِه وعلاماتِه وأسبابِه، ونَخْتمُ إن شاءَ اللهُ بالحديثُ عن بعضِ الحُلولِ والطُّرقِ المعينةِ على علاجِ مشكلةِ النَّشاطِ الزائِدِ عند الأطفال.
أولا: مفهومُ النَّشاطِ الزائدِ عند الأطفالِ وأعراضُه:
النشاطُ الزَّائِدُ عند الأطفالِ هو: حركةٌ جِسْميَّةٌ غيرُ طبيعية، تَجعلُ الطفلَ في حالةٍ من التَّنقلِ والقفْزِ والكلامِ المستمر، وكأنه لا يَملُّ ولا يَتعب. وهو ليس شَغبًا وسوءَ أدَبٍ كما قد يَعتقِدُ البعض، بل إنه أمرٌ خارجٌ عن إرادةِ الطفلِ في كثيرٍ من الأحيان، ولا يُعتبَرُ عيبًا سلوكِيًّا، فلا بدَّ من التعاملِ معه بناءً على هذا المبدَأ.
وأهمُّ أعْراضِ وعلاماتِ النشاطِ الزائِدِ عند الأطفالِ ما يلي:
- الحركةُ الزائدةُ والنشاطُ المفْرِط.
- عدمُ الإقبالِ على الألعابِ الرياضية.
- عدمُ الاستجابَةِ للوالديْنِ وطاعَةِ أوامِرِهما، وضعفُ التوافُقِ بين الطفلِ وأسرتِه.
- تَشتُّتِ الذِّهنِ وعدمُ التركيز، وعجزُ الطفلِ عن تَوْجيهِ اهتمامِه نحو موضوعٌ محدَّدٍ لوقْتٍ كاف.
ثانيا: الفرْقُ بين الشَّغبِ والنَّشاطِ الزائِد:
من المهمِ للآباءِ معرفةُ ما إذا كان ابنُهم يُعانِي من النَّشاطِ الزائِد، أم إنه مُجرَّدُ مُشاغِبٍ يُحبُّ التَّمرُّدَ وعدمَ الانْصِياعِ للأوامر؛ لأنهم بذلك سيُحدِّدونَ طريقةَ التعاملِ معه، ونَعرِضُ الآن بعضَ السِّماتِ التي تَستطيعونَ من خِلالِها معرفَة ذلك:
- عادةً ما تَظْهَرُ بَوادِرُ النشاطِ الزائِدِ عند الطِّفلِ قبلَ سنِّ السابِعة، وبالتالي فإن الطفلَ الذي تَكثُرُ حركتُه ونشاطُه في سنِّ العاشرةِ أو ما بعدَها، غالبًا ما يَكونُ مُشاغِبا.
- الذكورُ أكثرُ عُرْضةً للإصابَةِ بالنشاطِ الزائِدِ من الإناث، فإذا كان الطفلُ الحركيُّ ذَكرًا، فإن ذلك يُرجِّحُ كونَه مُصابًا بالنشاطِ الزائد.
- ظهورُ النشاطِ الزائدِ على الطفلِ في البيْتِ والمدرسة، وفي أيِّ مكان ذَهَبَ إليه، وذلك مما يُرجّحُ أنه مُصابٌ بالنَّشاطِ الزائِد، ويَنبَغِي التَّعاملُ معه بشكلٍ خاص، أما إن كان يُكثِرُ الحركةَ والنشاطِ في البيْت، ويَجلِسُ في الفَصْلِ الدراسيِّ بهدُوءٍ وتَركيز، فإن ذلك دليلٌ على أنه مشاغبٌ يُحبُّ التَمردَ على والديْه.
- عدمُ مشاركَةِ الطفلِ في الألعابِ الرياضية، وصُعوبَةُ تَكوينِه لعلاقاتِ صداقةٍ مع أقْرانِه، فهذا أيضًا دليلٌ على أنه يُعاني من النشاطِ الزائد.
- كثْرةُ الحديث، وسرعةُ الإجابةِ والرَّدِّ على الكلامِ حتى قبْلَ انتهاءِ الطرَفِ الآخر، فذلك مِن علامةِ النَّشاطِ الزَّائدِ.
ثالثا: أسبابُ النشاطِ الزائِدِ عند الأطفال:
تَرْجعُ أسبابُ إصابةِ الطِّفلِ بالنَّشاطِ الزائِدِ إلى الأسْرةَ وسُوءِ التَّربيةِ، وكما نَقولُ دائِمًا: الطفلُ عِبارةٌ عن صفحةٍ بيْضاء، والآباءُ هم من يَكتُبُ على هذه الصَّفحةِ ويُسجِّلُون عليْها ما يُريدُون، ونَظَرًا لِقلَّةِ وعْيِ الآباءِ بكثيرٍ من أخْطاءِ التربيَّة، فإنَّ بعضَ تصرُّفاتِهم وعاداتِهم في الحياة، قد تُصيبُ الأطفالَ بمشاكلَ نفسيَّةٍ وسلوكِيَّة، ومنها النَّشاطُ الزائِدِ، وأهمُّ أسبابِه ما يلي:
- العقابُ القاسِي والضَّرْبُ والشَّتْمُ والإهانَة، وأخْطَرُ ما في الأمر، أنَّ الأسْرةَ تَزيدُ من قسْوَتِها كُلَّما زادَ نَشاطُ الطِّفلِ وإفْراطُه في الحرَكَة، ولكن تِلك القَسْوَةَ في التَّعامُل، ومُحاوَلَةَ تَهدِئةِ وإسْكاتِ الطفلِ بالقوَّة، يُفاقِمُ مُشكلَةَ النَّشاطِ الزائِدِ عندَه أكثَر، ويُوقِعُه في مَزيدٍ من المشاكِلِ السُّلوكِيَّةِ والنَّفسيَّة.
- سوءُ التَّغذِيَّة، وتَناوُلُ الأطفالِ لمأْكُولاتٍ تَحْتوِي على مَوادَّ حافِظَةٍ ومُحفِّزَة، تَجعلُهم يُفْرِطُون في الحركَةِ والَّنشاط.
- وُجودُ خِلافاتٍ ومَشاكلَ بين الزوجَيْن، وكثْرةُ خصامِ الوالدَيْن وتَشاجُرِهما، وخاصَّةً أمامَ الأبْناء، فإنَّ ذلك يُسبِّبُ لبعْضِ الأطْفالِ إفْراطًا في الحرَكةِ ونَشاطًا خارِجًا عن المألُوف.
رابعا: التَّعامُلُ مع النَّشاطِ الزَّائِدِ عندَ الأطفالِ وعِلاجُه:
يُمكنُ الاعْتمادُ على بَعضِ المبادِئِ والحُلولِ التي سَتُساعِدُكُما أيُّها الوالِدانِ المحِبَّان، في التَّعامُلِ مع حالةِ النَّشاطِ الزائِدِ عند أبْنائِكم بِحكْمَة، وتُعينُكما على عِلاجِهم وإخْراجِهم من هذه الحالةِ بالطَّريقَةِ الصَّحيحةِ السَّليمة، ومن تِلك الحُلولِ ما يلي:
- تَجنُّبُ أسلوبِ العِقابِ والصُّراخِ في تربيَّةِ الأبناء، والبُعْدُ عن الضَّرْبِ والقسْوَةِ ما أمْكَن.
- الإكْثارُ من المأكُولاتِ الطبِيعِيَّةِ المعَدَّةِ في المنزل، والتَّقلِيلُ من المعَلَّباتِ والحلوِيَّات التي تَحتَوِي على مَوادَّ حافِظة.
- إصْلاحُ المشاكِلِ الزَّوجيَّة، وجَعلُ السَّعادَةِ والطُّمأنِينَةِ تَغْمُرُ أرْجاءَ البيْت؛ لِيشْعُرَ الطِّفلُ بالهُدوءِ والسُّكونِ الدَّاخِلِي، ويَنعَكِسَ ذلك على تصرُّفاتِه وحرَكاتِه.
- اعتِمادُ مبْدأِ المكافَأَةِ في التَّربيَّةِ والتَّوجِيه؛ بِحيْثُ تَطلُبُ منه القِيامَ بما تُريدُه أنتَ من تَمارينَ وأنْشِطةٍ مُقابِلَ مُكافَأَةٍ تَعدُه بها، لِتُساعِدَه على التَّركيزِ على تلك المهِمَّةِ بِفعْلِ المكافَأَةِ، التي تُحفِّزُه على التَّركيزِ وإنْهاءِ العَمَلِ المطْلُوب.
- ركِّزْ على الجَوانِبِ الإِيجابيَّةِ في الطِّفْل، وشَجِّعْهُ على تطْوِيرِها وتَحْسينِها، لتَكونَ الجانِبَ الأكْبَرَ من شَخصيَّتِه، وتَجعلَ سلبيَّاتِه تَختَفِي إلى حدٍّ ما، وتَتَضاءَلَ أمامَ إِيجابِيَّاتِه ونِقاطِ قوَّتِه.
وبمثْلِ هذه المبادِئِ والخُطوات، تَستَطيعِينَ أيَّتُها الأمُّ العَطوفَةُ والأبُ الرَّؤُوف، أن تُعالِجَ مشكلةَ النَّشاطِ الزائدِ لَدى طِفلِك، وتُساعِدَه على نَجاحِه الدراسِيِّ والاجتماعِي، من خلالِ تَسجِيلِه في مدارسَ مرْمُوقَة، وبنائِه لعلاقاتِ صَداقَةٍ مع أقْرانِه وزُملائِه، وإشْراكِه في المناسَباتِ العائِليَّةِ والأنشطةِ الاجتماعِيَّةِ دونَ حَرجٍ أو قَلَق.