يشْعُرُ بعضُ الآبَاءِ بعدَمِ الرِّضَا عن أطْفَالِهِمْ، ويُعَانونَ من مَشاكِلَ في التَّعَامُلِ مَعهُمْ بِسَبَبِ شُعُورِهِم بالخَجَلِ، ومن المُؤْسِفِ أن نجدَ بعْضَ الآبَاءِ في مثلِ هذه الحَالاَتِ يضْغَطُونَ على أبنَائِهِمْ لِلتَّخَلُّصِ من خجَلِهِمْ والتَّصَرُّفِ وِفْقَ انْتِظَاراتِهِم، وهو الأمْرُ الذي يزيدُ الوضْعَ سُوءا بالنسْبَةِ لهؤلَاءِ الأَطْفال وأُسَرِهِم؛ لذلكَ ارْتَأَيْتُ أن أُعَالِجَ مَعَكُمْ مَوْضُوعَ الخَجَلِ عند الأطفال، من خِلالِ الوقوفِ على مَظاهِرهِ وأسبابِه ِوكيْفِيَّةِ عِلاَجِهِ.
تعريفُ الخجلِ ومظاهِرُه:
الخجلُ عِبارةٌ عن اضْطِرابٍ انْفِعالِي، نتيجَةَ فُقْدانِ الثِّقَةِ بالنَّفسِ، وعَدَمِ القُدْرَةِ على بِناءِ عَلاَقَاتٍ اجتماعِيَّةٍ مع الأقْرَانِ، وصُعوبَةِ التَّعَامُلِ مع الأُسْرَةِ والمُحِيطِ، وهناك نَوْعَانِ من الأعْرَاضِ التي نَعْرِفُ من خِلاَلِها كَوْنَ الطِّفْل مُصاباً بالخَجَلِ، وهي إمَّا أَعْراضٌ عُضْوِيةٌ أو سُلوكِيَّة.
تتجَلَّى الأَعْراضُ العُضْوِية لِلخَجَلِ في علاماتٍ مُتَعَدِّدَة، منها: ارتِعَاشُ الأطْرافِ، احْمِرارُ الخَدَّيْنِ، تَعَرُّقً الكَفَّيْنِ أو التَّعَرُّقُ بشكْلٍ عاملٍ، بالإضافَةِ إلى التَّلَعثُم في الكلامِ، وتسَارُع نبضاتِ القَلْبِ نَتيجَةَ الشُّعورِ بالخَوْفِ.
وأما الآثارُ والعلاماتُ السُّلُوكِيةُ الدَّالةُ على وجودِ الخجلِ، فمنها الغِيرةُ والحَسَدُ، وذلك نتيجَةً لكَوْنِ الطِّفْلِ غيرَ قادرٍ على تحْقيقِ النَّجاحِ واسْتِقْطابِ الاهْتمَامِ الذي يحْظَى به أطفالٌ آخرُونَ، بسبب معاناتهِ من الخجلِ، الذي يمنعُهُ من القيامِ بالأشياءِ التي تَجعَلُهُم مُتَمَيِّزِينَ، ونتيجَةً لذلك يَبْدَأُ الطِّفْلُ الخَجولُ في الغيرةِ من الأطفالِ الآخرينَ، ويحْسُدُهُم على ما يَحْظَوْنَ به من اهْتمامٍ وتشْجِيعٍ.
أسبابُ الخجلِ عندَ الأطفالِ:
يُمكِنُ حصْرُ مُسَبِّباتِ الخجلِ عند الأطفالِ في ثلاثةِ عوامِلَ رَئِيسِّيَّة:
- الشُّعورُ بعدمِ الاِطْمِئْنانِ داخِلَ الأُسْرَةِ، والإِحْساسُ بخوف دائِمٍ، وفُقْدانُ الأمانِ الذي يضْمَنُ الاِسْتِقْرارَ النَّفْسِي، وتبَعاً لذلكَ تَتَكَوَّنُ لدَى الطِّفْلِ أحاسِيسُ الاِرْتِباكِ والتَّوَتُّرِ والقَلَقِ، وخاصَّةً عند مرورِهِ بمواقِفَ يَكُونُ فيها مَحَطَّ أنظارِ الآخرينَ.
- الإفْراطُ في استعمالِ أُسلوب القَسْوَةِ والصَّرامَةِ في التَّرْبِية، وهكذا يعمَلُ بعض الآباءِ على إيقاعِ أبنائهِمْ ضَحِيَّةً للشُّعورِ بالخجلِ؛ حيث ينتهِجونَ في تعاملِهِمْ مع أطفالِهِم مبدأ العقابِ والقسْوَةِ، والشَّتْمِ والصُّراخِ والتَّعْنيفِ، والضَّرْبِ واللَّطْمِ، وهو الأمرُ الذي يُفقِدُ الطِّفلَ ثِقتَهُ بنفسِه، ويُصْبِحُ مَسْلوبَ القَرَارِ والإِرادَةِ، ممَّا يُشْعِرُهُ بأنه منْبوذٌ اجْتماعِياً، ويدفعُهُ إلى التِزامِ الصَّمْتِ والخَوْفِ من التَّحَدُّثِ والظُّهورِ، ثم يتطَوَّر الأمرُ إلى حالةٍ من الخجلِ المَرَضِيِّ.
- الحِمايَةُ والعِنايَةُ الزَّائدَةُ؛ فبسَبَبِ الحِرْصِ الزائِدِ من طَرَفِ بعض الآباءِ، ومُبالغَتِهِمْ في حِمايَةِ أبنائهِمْ والاِهْتمامِ بكلِّ تَفاصيلِ حَياتِهِمْ، يمِيلُ الأطْفالُ إلى الخُمُولِ والكَسَلِ، وعدمِ الاعتمادِ على الذَّاتِ، والتَّواكُلِ على آبائهِم في كلِّ شُؤونِهِم، وبذلك يبْتَعِدونَ عن مُحيطِهِم، وتَقِلُّ فُرصُهُم في خوضِ التَّجارِبِ وتطويرِ المَهارَاتِ، وتَضْعُفُ ثِقَتهُم بأنفُسِهِم، ممَّا يولِّدُ عندهُم إحْساساً بالخجلِ والخوفِ من الآخرينَ، كلما فقَدُو عباءَةَ الوالِدَيْنِ التي لَطالمَا اخْتَبَأُوا خلْفَها.
مُقْتَرَحاتٌ لِعلاَجِ الخجلِ عند الأطفالِ:
نُذكِّرُ دائماً بأنَّ الهَدفَ من معرِفةِ أسبابِ المشكلِ هو تَفادِي تلك الأسبابِ ما أمْكَن، حتى لا نكونَ عاملاً مساعِدا ومُؤَثِّراً في وجودِ تلك الآفَة، وكذلكَ الحَالُ بالنسبةِ للخجلِ، فالْغايَةُ من تعْرِيفِكُم بأسْبابِهِ، هي العملُ على اجْتِنابِها ووِقايَةِ أبنائِكُمْ منها، ونُضِيفُ إلى ذلك بعضَ النِّقاطِ والمُقْتَرَحاتِ التي قدْ تُساعِدُ على علاجِ الخجلِ لدَى الأطفالِ، منها:
- بعثُ الثِّقةِ في النَّفس من جديدٍ؛ فإذا كان انعِدامُ الثِّقة من أسبابِ الخجلِ، فإنَّ إعادةَ إحياءِ الثِّقة في النَّفس، سيكونُ له دورٌ كبيرٌ في التَّعافي من الخجلِ، ويمكنُكُمْ إعادةُ ثقةِ أبنائكُمْ بأنفسِهِم من خلالِ إظهارِ ثقتكُم بِهِم، وتشْجِيعِكُم لهُم، والثَّناءِ عليهمْ في حضْرَةِ الآخَرينَ.
- اجْتِنابُ ضَرْبِ الأطفالِ وتعْنيفِهِم، وَلَنا في النَّبي صلى الله عليه وسلم القُدْوةُ والمثالُ في هذا الجانبِ، فَيُرْوى عنهُ أنَّهُ ما ضربَ غلاماً قطُّ، وما عامَلَ أحداً من أحفادِهِ أو أطفالِ الصَّحابةِ بالعُنفِ والقَسْوَة، فعلَيْنا أن نتَّبِعَ هدْيَهُ في التَّرْبِيةِ والمُعامَلَة، وأن نُدْركَ الأضْرارَ العَمِيقَةَ التي يُخَلِّفَا الضَّرْبُ والقَسْوةُ في نفسِيةِ الأطفالِ.
- الابْتِعادُ عن الدَّلالِ الزائِدِ في التَّعامُلِ مع الطفل، والمبالغَةِ في الاهْتمامِ به وتلْبِيةِ كلِّ رغَباتِهِ، والثَّناءِ عليهِ بشكلٍ يُشْعِرُهُ بالغُرورِ واحْتِقارِ الآخرينَ، وغيرِ ذلك من التَّصَرفات التي تجْعَلُ الطِّفلَ عالةً على والدَيْهِ، وتَحْرِمُهُ الاعتمادَ على الذَّاتِ، وتطويرِ مَهَاراتهِ التَّواصُلِيَّةَ والاجْتِمَاعِية.
- تَشْجِيعُ الأطفالِ على الحديثِ والحِوارِ، وإِتاحَةِ الفُرْصَةِ لهم لِلتَّعْبيرِ عن آرائهِمْ وأَفْكارِهِم، ودَفْعُهِم إلى الحَديثِ عن أنْفُسِهِمْ بإيجَابِيَّةٍ، ممَّا يُكْسِبُهُم ثِقةً بالنَّفسِ، وقُدْرَةً على مُواجَهَةِ المُجْتَمَعِ، ومَهارَةً في الحديثِ بطَلاقَةٍ وشَجَاعَةٍ.
بمثلِ هذه الخُطُواتِ والتَّدابيرِ التَّرْبَوٍيةِ، الَّتِي يقْترِحُها عليكُم فَريقُنا في مرْكزِ زُلْفى للاسْتِشَاراتِ الأُسَرِية، تَسْتَطيعونَ حِمايَةَ أبْنائكُم من الوقوعِ في أسْرِ الخجلِ، وجعلِهِم قادِرينَ على العَيْشِ في مُجتمَعِهِم بحُرِّيةٍ وطَلاَقَةٍ، وتَمكينِهِم من آلياتِ بناءِ الذَّاتِ وتحْقيقِ النَّجاحِ.