يميل الأطفالُ بطبعهم إلى المرح واللعب، ونشرِ السعادة في المحيط الذي يتواجدون فيه، وكلما رأيتهم وجدت الابتسامة تعلو مُحيّاهم، إلا أنه ومع ذلك، قد يصاب بعض الأطفال والمراهقين بالاكتئاب والإحباط، والميل إلى الانعزال، فما هي أسباب ذلك؟ وكيف تعرف بأن ابنك مصاب بالاكتئاب؟ وما هي الأشياء التي يمكنك القيام بها لعلاج هذه حالة التي يمر بها طفلك؟ ذلك ما سنتعرف عليه في موضوعنا هذا.
ولكننا قبل الشروع في توضيح هذه المحاور، لا بد من الإشارة إلى أنه من الطبيعي جدا أن يمر ابنك في بعض الأحيان، بحالة عابرة من الاكتئاب والإحباط، وتفضيل الخلوة والانعزال، فذلك من الأحوال النفسية المصاحبة لمراحل النمو التي يمر بها الأطفال، ولا داعي للقلق ما لم يطل الأمر، ولم يأخذ منحًى تصاعديًا.
أسباب الاكتئاب عند الاطفال:
كثيرةٌ هي الأسبابُ والعواملُ التي تُصيب الأطفال بالاكتئاب، ويُمكن تقسيمُها إلى نوعين: عوامل وراثية وأخرى اجتماعية، ونُفصِّلُ فيها القولَ كما يلي:
- أسبابٌ وراثية:
بمعنى أن أحد أفرادِ الأسرةِ كان يعاني من الاكتئاب، بسبب اختلالٍ في إفرازِ بعض الهرموناتِ التي تُؤثِّرُ على الحالة النفسية للإنسان، فينتقل هذا الاختلال إلى الطفل عن طريق الجينات الوراثية، مما يصيب الطفل بالاكتئاب.
- أسبابٌ اجتماعيه:
وأما بالنسبةِ للأسبابِ الاجتماعيةِ فلا يُمكن حصرها، وهي تَرجع في أصلها إلى تَأَثُّرِ الطفلِ بمن يعيش معهم ويحتك بهم في محيطه الأُسري والمدَرسي، أو غيرِ ذلك من الفضاءاتِ الاجتماعية، ويمكن أن نوضح ذلك من خلال مجمعة من الأمثلة:
- إذا كان أحد الأبوين يَغلُبُ عليه التفكيرُ المتشائم وتوَقُّعُ الأسوَأِ دائما، ويعيش في حالة من الإحباط وعدم الرضا، فإن الطفل قد يكتسب منه هذا النمط في التفكير، ويدخل بدوره في حالة من السلبية والاكتئاب.
- وقوعُ حادثٍ مأساوِيٍّ في الأسرة؛ كفقدان أحدِ الوالدين أو المقربين، أو إعاقتِه أو سَجْنِه، أو تَعرُّض الطفلِ نفسِه لحادثةٍ خطيرة تسبب له إعاقةً أو صدمة نفسية، يعيش الطفل على إثرها في حالة اكتئاب مرضي، ويغلب عليه التفكير السلبي والخوف وعدم الارتياح.
- ومن الأسباب كذلك مرورُ الطفلِ بضغوطٍ نفسيةٍ تفوقُ قدرةَ تحمُّلِه، يُمارسها عليه أبواه أو أستاذُه أو ما شابه، وغالبا ما يكون ذلك بسبب تأخره الدراسي، وعدم قدرته على تحصيل نتائج جيدة، فإن هذه الضغوطَ تدفع الطفلَ إلى لوْمِ نفسه والشعورِ بالذَّنب، وغيرِ ذلك من المشاعر السلبية التي تُدخِلُه في حالةٍ من الاكتئاب الحاد.
- إحساس الطفل بأنه غير مرحب به في أسرته، وأن أبواه لا يبادلانه نفس الشعور بالتعلق والمحبة والمودة، وأنهما لا يتقبلانه ولا يظهران التقديرَ الذي يَتُوقُ إليه، ولا يشبعان حاجاته العاطفية، فإن هذا الرفض والإهمال من الوالدين، قد يسبب للطفل حالات اكتئاب مرضية.
- تَعنِيفُ الطفلِ أو تعرُّضه للتحرش الجنسي أو الاعتداء المباشر، يجعل الطفل في حالة صراع داخلي بين الشعور بالعار والحرج والخوف، وعدم قدرته على مصارحة والديه وإخبارهما بالاعتداء الذي تعرض له، وكلما استمر هذا الصراع الداخلي وطالت مدته، كلما سبب ذلك حالة من الاكتئاب المتزايد، التي قد تؤدي في الأخير إلى اكتئاب مرضي حاد.
أعراض الاكتئاب عند الأطفال:
بعد معرفتنا للأسباب التي قد تصيب الطفل بالاكتئاب، ننتقل الآن لنقطةٍ أخرى في غاية الأهمية، وهي التعرف على أعراض الاكتئاب المرضي عند الأطفال، حتى نستطيع التمييز بينها وبين الاكتئاب العابر، الذي يمكن اعتباره حالةً نفسية طبيعية تنتج عن التقلبات المزاجية، وسنركز الآن على بعضِ العلامات التي تُعتبر مؤشرا على إصابة الطفل باكتئاب مرضي، وهي:
- استمرارُ حالة الحزن والاكتئاب مدةً تتراوح بين أسبوع وشهر واحد، وخاصة إذا كانت تلك الحالة النفسيةُ مصحوبةً بفقدان الشهيةِ وعدم المشاركةِ في الأنشطةِ مع العائلةِ أو الأطفال الآخرين، وصعوبةِ بناءِ علاقاتٍ اجتماعية جيدة خلال هذه الفترة، فإن ذلك يُعتبرُ مؤشِّرا قويًّا على إصابةِ الطفلِ بالاكتئاب.
مع العلم أن الميل إلى الانعزال والوحدة ليس مؤشرا عاما؛ فهناك بعض حالات الاكتئاب التي تكون مصحوبةً بالخوف الشديد أو كثرةِ البكاء، لِذا يجب الانتباه إلى التغيرات التي تطْرأُ على سلوكات الأطفال بدقة وتثبُّت.
- الشعورُ بالقلق الشديد الذي يَظهر في صورةِ تشتُّتٍ ذهني، وقَضْمٍ للأظافر، أو تدني مستوى التحصيلِ الدراسي، بسبب عدم القدرةِ على التركيز، فذلك من الأعراضِ المصاحبةِ لحالاتِ الاكتئاب المرضي.
في حالة ظهور مثل هذه الأعراض على طفلك، بادر إلى مساعدته واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعلاجه وإخراجه من حالة الاكتئاب بسلام، والأهم في هذه العملية ألا يَشعر الأبوانِ بالذعر والارتباك، وكأنهما أمام مشكلة عويصة لا حل لها؛ فالأمر أيسر من ذلك، وكلُّ ما يلزم فعله هو الاتجاه إلى المتخصصين في العلاج النفسي، لمساعدة طفلك على الشفاء من هذا المرض، والتعامل مع الموضوع على أنه مرض كباقي الأمراض الأخرى، وأن نتجاوزَ نظرة المجتمع إلى المريض النفسي على أنه مجنون أو مسحور أو ما شابه.
ونشير في الختام، إلى أن تصرفاتٍ صغيرةً يمكنها أن تُجنِّبَ أطفالَنا الإصابةَ بالاكتئاب، فلو حافظْنا على علاقةٍ طيبةٍ وتواصلٍ جيد مع أطفالنا، وأَتَحْنا لهم فرصةَ الحديث بحريةٍ عما يشعرون به، وعن تجاربهم وما يحدث لهم، وأضْفيْنا عليهم من حناننا وعطفنا بدون شروط، فإن احتماليةَ إصابتِهم بالاكتئابِ تكون شبهَ منعدمة.