تَقُومُ العَلاقَةُ الزَّوجيَّةُ على ثلَاثةِ مَبادِئَ رَئيسِيَّةٍ هي: الثّقةُ والصِّدقُ والعاطفةُ، واخْتِلالُ مَبدأٍ من هذه المَبادِئِ الثَّلاثِ، يُهدِّدُ بِتفَكُّكِ الأُسرَةِ وتشتُّتِ العائِلَةِ، ويُمْكِنُ اعْتِبارُ الخِيانةِ الزّوجيّةِ طَعْنةً تُصيبُ الثّقةَ بين الزوجينِ في مَقْتَل، وتُؤَثِّر تَبَعاً على مَبْدأِ الصِّدقِ والعاطفةِ، مِمَّا يُنْذِرُ بانْتهاء العلاقةِ الزّوجيّةِ أو تَدَهْوُرِها.
ولا مَجالَ لِإنكارِ انْتِشارِ هذه الظَّاهِرةِ السَّيِّئةِ في مُجتمعاتنا ، وإن كان على نِطاقٍ مَحدودٍ، إلاَّ أنّها ومع ذلك تُشَكِّلُ مَشاكلَ عَويصَةً لِلأُسرةِ والمُجتمعِ على حدٍّ سواء، وحتّى في ظِلِّ عَدمِ وُقُوعِ خِيانةٍ بِالفعلِ، فإنَّ الكثيرَ من الأزواجِ يَعيشون حَالةً مِن عَدمِ الثِّقةِ، ويُعانون من شُكوكٍ دائمةٍ، وتُؤَوِّلُ الزوجةُ تَأخُّرَ زوجِها عن البيتِ بأنَّه في عَلاقَةٍ مع امرأَةٍ أُخرى، ويَعْتقِدُ الزوج بأنَّ خُروجَ زَوجتِه مِن البيتِ قد يَكونُ بِهدفِ لِقاءِ رَجُلٍ آخَرَ، ولا يُمْكنُ أنْ نُؤَسِّسَ أسْرةً سعيدةً في مِثلِ هذه الأَجْواء.
وبِناءً على هذه الأَضْرارِ والآفاتِ الخطيرةِ التي تُسَبِّبُها ظاهرةُ الخِيانةِ الزّوجيَّةِ، فَإنّني سأُناقِشُ معكم هذا المَوْضوعَ مِن جوانِبَ مُختَلفةٍ، أُبَيِّنُها على الشَّكل الآتي:
أوّلا: أَنواعُ الخِيانةِ الزّوجيَّةِ:
تَتَّخِذُ الخِيانةُ الزوجيّةُ أَشْكالاً مُتَعَدِّدَةً، يُمْكِنُ حَصْرُها في خمسةِ أَنْواعٍ:
- الخيانَةُ العَابِرَة: حَيْثُ لا يكونُ الزَّوجُ أو الزَّوجةُ الخَائِنةُ قد قَصدَتْ مُنْذُ البِدايةِ أنْ تَخُونَ زَوجَها، ولَكِنِ الخِيانَةَ تقعُ تَبَعاً لِعَلاقَةٍ عَابِرةٍ بِطَرَفٍ آخَرَ، مثل: طَلَبُ مُساعَدةٍ أَو خِدْمةٍ مُعَيَّنَةٍ.
- الخِيانَةُ الِانتِقَامِيَّةُ: عِندما يَكْتشِفُ أَحدُ الطَّرفَينِ خِيانَةَ الطَّرفِ الثَّانِي لَهُ، وَوُقُوعَه في علاقةٍ مُحَرَّمة خَارِجَ إِطارِ الزَّوَاج، فإِنَّ الطّرفَ الأَوَّلَ يتعمَّدُ الوُقوعَ في الخِيانَةِ الزَّوجيَّةِ انْتِقاما لنفسِه، وتَنْكيلاً بالطَّرَفِ الآخَرِ الذي بَادَرَ بالخِيانةِ أوّلاً.
- الخيانَةُ الإِشْباعِيَّةُ: وأَسْمَيْتُها بالخِيانةِ الإِشْباعِيةِ لِكَوْنِ الطَّرَفِ الخائِنِ في هذه الحَالَةِ، شَخْصاً شَهْوانِيّاً، له رَغَباتٌ جِنسِيَّةٌ جَامِحَةٌ، لا تُحَقِّقُ له العَلاقةُ الطَّيِّبةُ في إِطارِ الزَّواجِ رَغَباتِه وَشَهَوَاتِه، فَيَجِدُ ضَالَّتَهُ في الخِيانةِ والزِّنَا.
- الخِيانَةُ بِقَصْدِ الطَّلاقِ: وذلك عندما يَرْغَبُ أحَدُ الطَّرَفَينِ في إَنْهَاءِ زوَاجِهِ بالطَّرفِ الثَّانِي، ولَكِنَّه لا يَجِدُ السَّبَبَ المُقْنِعَ والمُباشِرَ الذي سَيُمَكِّنُه من الحُصُولِ على الطَّلاق، وهُنا يَتَعَمَّدُ الوُقُوعَ في الخيانَةِ لِيَدْفَعَ الزَّوجُ زوجَتَهُ، أو تَدفَعُ الزَّوجَةُ زوجَها إلى الطَّلاقِ والِانْفِصَال.
ويُمْكِنُ إِرْجاعُ هذه الأَنواعِ الُمخْتَلِفَةِ مِنَ الخِيانةِ الزَّوجِيَّةِ إلى عَامِلٍ واحِدٍ وهُوَ: قِلَّةُ الِاهْتِمامِ وعَدَمُ إِشْباعِ رَغَباتِ الطَّرَفِ الآخَرِ، وخَاصَّةً مِن طَرَفِ المرأَةِ التي تَكونُ مُقَيَّدةً بِفِعلِ الحَياءِ وضَوَابِطِ التَّربِيةِ التي نَشَأَتْ فيها، فَلا تُبَادِرُ زَوجَها ولا تُسَايِرُهُ في إِشْباعِ رَغْبَتِهِ في كَثيرٍ مِنَ الأَحْيانِ، وهُنا يَشْعُرُ الزَّوجُ بِنَقْصٍ، وأَنَّه لم يَنَلْ ما كان يَصْبُو إلَيْهِ مِن وَرَاءِ هذا الزَّواجِ، فَيُحاوِلُ إِيجادَ سُبُلٍ أُخْرى يَنالُ بِها شَهْوَتَهُ ويُحَقِّقُ رَغْبَتَهُ.
ولقد زارَنَا في مَرْكزِ “زُلْفَى” لِلِاسْتِشاراتِ الأُسَرِيَّةِ، زَوجٌ يَشْتَكي الْبُرُودَ الجِنْسِي لَدَى زَوجَتِهِ، ويُفَكِّرُ في الزَّواجِ مَرَّةً أخرى، ويَحْكِي كَيفَ أنَّه قَد أَمْضَى شُهُوراً مِن الزّواجِ، ولَكنْ لم يَحْدُثْ أَنْ بَادَرَتْ زوجتُهُ بِطَلَبِ إِقامَةِ عَلاقَةٍ حَمِيمِيَّةٍ مَعهُ، لَطالمَا كان هو المُبادِرُ بِذلك، الأَمْرُ الذي يُشْعِرُهُ بِأنَّها عَدِيمَةُ المَشَاعِرِ، فَاتِرَةُ الإِحْساسِ، فَعَلى الزَّوجاتِ أنْ تَنْتَبِهَ لِهذا الأَمرِ، ويَجبُ أنْ تَعْلَمَ النِّساءُ بِأنَّ خَمسةً وسَبعينَ في الِمائَةِ من الرِّجالِ يَتَزَوَّجونَ مِن أَجْلِ إشْباعِ الرَّغَباتِ الجِنْسِيَّةِ، فَلا تُهْمِلْنَ هذا الْجانِب.
ثانيا: سُبُلُ الْوِقايَةِ مِنَ الخِيانةِ الزَّوجيَّةِ:
هُناك بَعضُ التَّدابِيرِ والإِجْراءاتِ التي نَسْتَطيعُ مِنْ خِلالِها تَجَنُّبُ وُقُوعِ الكَثيرِ مِنْ حالات الْخِيانة الزّوجِيّةِ، وأَهَمُّها ما يَلِي:
- تَطْبيقُ مَبْدَأِ الحِوارِ الزَّوجِي، وَإِتْقانُ فَنِّ الإِصْغاءِ والاِسْتِماعِ، وطَرْحُ الْمَشاكِلِ التي تَعْتَرِضُ حيَاتَكُم الزَّوجِيَّةَ لِلنِّقاشِ وَالتَّدَاوُلِ بَكلِّ وُضُوحٍ وَمَوَدَّةٍ، بِمُجَرَّدِ ظُهُورِها، قَبْلَ أنْ تَتَفاقَمَ وتَزْدَادَ تَعْقيداً؛ لِأنَّ عِلاجَ المْشَاكِلِ في بِدايَتِها يُساعِدُ على حَلِّها بسُهُولَةٍ، ويَصْنعُ جَوّاً من التَّوازُنِ والِاسْتِقْرارِ داخلَ الأُسْرةِ.
- تَقَبُّلُ الطَّرَفِ الآخَرِ بِعُيُوبِه ونَقائِصِهِ، والتَّجاوُزُ عَن تَقْصيرِه، فَلا أَحَدَ مِنَّا مِثالِي، وليس هُناك إنْسانٌ كامِلٌ، كُلُّنا ناقِصٌ ومُقَصِّرٌ بِقَدْرٍ ما، فَلا بُدَّ مِن أنْ نَتَقَبَّلَ الآخَرينَ كَما هُمْ، وألَّا نُحاوِلَ الضَّغْطَ عليهم لِيَكُونُوا كَما نُريدُ نَحنُ.
- ضَرُورةُ إشْباعِ الرَّغَباتِ الْجِنْسِيّةِ لَدَى الطَّرَفَيْنِ، وإِقامَةِ علاقَةٍ حَمِيمِيَّةٍ ناجِحَةٍ، يَغْمُرُها الحُبُّ والدِّفْءُ والتَّفاهُمُ، ولا حَرَجَ في أنْ يُعْرِبَ كلُّ طَرفٍ لِلآخَرِ عمَّا يّرْغبُ فيه بِوُضُوحٍ، وأنْ تَجْتهِدَ المرأةُ في إِظْهارِ أُنُوثَتِها لِزَوجِها؛ فَهي الأَقْدَرُ على تَوْجيهِ العلاقَةِ الحَمِيمِيّةِ وإنْجاحِها، وعلى الزَّوجِ أنْ يُقَدِّرَ جُهُودَها ويُقابِلَها بِالتَّفاعُلِ والثَّناءِ.
ثالثا: كيف نَتَصَرَّفُ عند وُقُوعِ الخيانةِ الزوجيّة:
يَغْلُبُ على الأزْواجِ والأُسَرِ طَابَعُ الِانفِعالِيّةِ والِانْدِفاعِ، وَالتَّسَرُّعُ في أَخْذِ قَراراتٍ غَيْرِ مَدرُوسَةٍ عند اكْتِشافِهِم بأنَّ أحَدَ الطَّرفَيْنِ قد وَقَع في الخيانةِ الزَّوجيَّةِ، ولكنْ يَنْبَغي التَّثَبُّتُ أكثَرَ، وَعَدمُ اتِّخاذِ أَيِّ قرارٍ إِلَّا بَعدَ التَّأكُّدِ مِن وُقُوعِ الْخيانةِ الزَّوجيّةِ.
وبعدَ التَّأكُّدِ منْ وُجُودِ خِيانَةٍ بِالفعْلِ، حَاوِلِ التَّرَيُّثَ في أَخْذِ القَرارِ الأَنْسبِ، بَعيداً عَنِ الْعاطِفةِ الْجَارِفَةِ والغَضَبِ المَحْمُومِ، لِأنَّ الأَمْرَ يَرْتبِطُ بِشَرَفِ أُسْرةٍ بِأكْملِها، ويَرْتَبطُ كذلك بِسِيرَةِ الأَبْناءِ ومُستقْبَلِهم، وإِليكَ خَمسةَ أَسْئِلةٍ حَاوِلِ الإِجابَةَ عنْها قبل اتِّخاذِكَ لِأيِّ قرارٍ مُتَعلِّقٍ بِالطَّرَفِ الخائِنِ:
- هل أَستطيعُ تَحَمُّلَ مسؤولِيَّةِ ما حَدَثَ، والِاسْتِمْرارَ في العيْشِ مع الطَّرفِ الخَائنِ ومُعالَجةَ المُشكِلَةِ بِهُدُوء؟ ألَا يُمْكِنُنِي الصَّفْحُ والْعفْوُ عنه بِدُون شُروطٍ؟
- ما نَوْعُ الخِيانَةِ التي وَقَعَ فيها الطَّرَفُ الثّانِي؛ هل هي خِيَانَةٌ عَابِرةٌ؟ أمْ علاقَةٌ طَويلَةُ المْدَى؟ وهل وَقَعَ في الخِيانَةِ بِسَبَبِ تَقْصيرِي في حَقِّه وإِهْمالِي لَه؟
- أَلاَ زِلْتُ مُتَعَلِّقاً بِالطَّرفِ الثّانِي على الرُّغْمِ من وُقُوعِه في الخِيَانةِ؟ أَلاَ زِلْتُ أُكِنُّ له بَعضَ الْمحبَّةِ والمْودَّة؟
- ما هُوَ المْصَيرُ الذي يَنْتَظِرُنِي ويَنْتَظِرُ أبْنائِي إِذَا قَرَّرْتُ الِانْفِصالَ عنه؟ هل سَتَكُونُ أَوْضاعِي الِاقْتِصادِيَّةُ جيِّدةٌ؟ وهل سَتكُونُ عَلاقَتِي بِأُسْرَتي وأبْنائِي طَبِيعِيَّة؟ أم إِنَّ ذلك سَيُسَبِّبُ مَشاكِلَ نَفْسِيَّةً واجْتِماعِيَّةً ومالِيَّةً كثِيرَةً؟
- هل يُمْكِنُنِي نِسْيانُ الأَمْرِ مع مُرُورِ الوَقتِ؟ أَلَنْ تَخِفَّ حِدَّةُ الأَلَمِ والغُصَّةِ التي أَشْعُرُ بها الآنَ مع الأَيّامِ، كما يَحْدُثُ في حالاتٍ كثيرةٍ؟ ألَيسَتْ لِهذا الشَّخصِ الذي خانَنِي إيجَابِيَّاتٌ ومَواقِفُ طَيِّبةٌ معي؟ ألاَ يَبْدُو أنَّه لا زالَ يُحِبُّني على الرُّغْمِ من وُقُوعِه في هذا الْخَطأ؟
أَوَدُّ أنْ تَكونَ إنْساناً مُتَسامِحاً عند طَرْحِكَ لِهذه الأَسئلَةِ، وأنْ تُغَلِّبَ جانِبَ مَصْلحةِ المَجْمُوعةِ على مَصلحةِ الفَرْدِ، وأنْ تَعْلَمَ بِأنَّ ما تَتَخَيَّلُهُ مِن عَدَمِ قُدْرتِك على المُسامَحةِ والتَّجَاوُزِ، وما يَقُولُهُ الآخَرُونَ عن ضرُورةِ الِانْفصالِ، غَيْرُ صَحيحٍ؛ لِأنَّك قَوِيٌّ بِما فيه الْكِفَايةُ لِتَصْفَحَ عَن الخائِنِ، وأنْ تُوَاصِلَ الحياةَ الزَّوجِيَّةَ معهُ في جَوٍّ إيجَابِيٍّ، وقد تَتَحَوَّلُ علاقَتُكُما إلى حالٍ أَفْضَلَ مِمَّا كانت عليه قَبْلَ وُقُوعِ الخِيانَةِ، وَخاصَّةً إذَا أَصْغَيْتُما إلى بَعضِكُما جَيِّداً، وعَرفْتُما الأَسْبابَ التي أَدَّتْ إلى حُدُوثِ هذه المُشْكلَةِ.