ZULFA | زلفي

تَقُومُ العَلاقَةُ الزَّوجيَّةُ على ثلَاثةِ مَبادِئَ رَئيسِيَّةٍ هي: الثّقةُ والصِّدقُ والعاطفةُ، واخْتِلالُ مَبدأٍ من هذه المَبادِئِ الثَّلاثِ، يُهدِّدُ بِتفَكُّكِ الأُسرَةِ وتشتُّتِ العائِلَةِ، ويُمْكِنُ اعْتِبارُ الخِيانةِ الزّوجيّةِ طَعْنةً تُصيبُ الثّقةَ بين الزوجينِ في مَقْتَل، وتُؤَثِّر تَبَعاً على مَبْدأِ الصِّدقِ والعاطفةِ، مِمَّا يُنْذِرُ بانْتهاء العلاقةِ الزّوجيّةِ أو تَدَهْوُرِها.

ولا مَجالَ لِإنكارِ انْتِشارِ هذه الظَّاهِرةِ السَّيِّئةِ في مُجتمعاتنا ، وإن كان على نِطاقٍ مَحدودٍ، إلاَّ أنّها ومع ذلك تُشَكِّلُ مَشاكلَ عَويصَةً لِلأُسرةِ والمُجتمعِ على حدٍّ سواء، وحتّى في ظِلِّ عَدمِ وُقُوعِ خِيانةٍ بِالفعلِ، فإنَّ الكثيرَ من الأزواجِ يَعيشون حَالةً مِن عَدمِ الثِّقةِ، ويُعانون من شُكوكٍ دائمةٍ، وتُؤَوِّلُ الزوجةُ تَأخُّرَ زوجِها عن البيتِ بأنَّه في عَلاقَةٍ مع امرأَةٍ أُخرى، ويَعْتقِدُ الزوج بأنَّ خُروجَ زَوجتِه مِن البيتِ قد يَكونُ بِهدفِ لِقاءِ رَجُلٍ آخَرَ، ولا يُمْكنُ أنْ نُؤَسِّسَ أسْرةً سعيدةً في مِثلِ هذه الأَجْواء.

وبِناءً على هذه الأَضْرارِ والآفاتِ الخطيرةِ التي تُسَبِّبُها ظاهرةُ الخِيانةِ الزّوجيَّةِ، فَإنّني سأُناقِشُ معكم هذا المَوْضوعَ مِن جوانِبَ مُختَلفةٍ، أُبَيِّنُها على الشَّكل الآتي:

أوّلا: أَنواعُ الخِيانةِ الزّوجيَّةِ:

تَتَّخِذُ الخِيانةُ الزوجيّةُ أَشْكالاً مُتَعَدِّدَةً، يُمْكِنُ حَصْرُها في خمسةِ أَنْواعٍ:

  1. الخيانَةُ العَابِرَة: حَيْثُ لا يكونُ الزَّوجُ أو الزَّوجةُ الخَائِنةُ قد قَصدَتْ مُنْذُ البِدايةِ أنْ تَخُونَ زَوجَها، ولَكِنِ الخِيانَةَ تقعُ تَبَعاً لِعَلاقَةٍ عَابِرةٍ بِطَرَفٍ آخَرَ، مثل: طَلَبُ مُساعَدةٍ أَو خِدْمةٍ مُعَيَّنَةٍ.
  2. الخِيانَةُ الِانتِقَامِيَّةُ: عِندما يَكْتشِفُ أَحدُ الطَّرفَينِ خِيانَةَ الطَّرفِ الثَّانِي لَهُ، وَوُقُوعَه في علاقةٍ مُحَرَّمة خَارِجَ إِطارِ الزَّوَاج، فإِنَّ الطّرفَ الأَوَّلَ يتعمَّدُ الوُقوعَ في الخِيانَةِ الزَّوجيَّةِ انْتِقاما لنفسِه، وتَنْكيلاً بالطَّرَفِ الآخَرِ الذي بَادَرَ بالخِيانةِ أوّلاً.
  3. الخيانَةُ الإِشْباعِيَّةُ: وأَسْمَيْتُها بالخِيانةِ الإِشْباعِيةِ لِكَوْنِ الطَّرَفِ الخائِنِ في هذه الحَالَةِ، شَخْصاً شَهْوانِيّاً، له رَغَباتٌ جِنسِيَّةٌ جَامِحَةٌ، لا تُحَقِّقُ له العَلاقةُ الطَّيِّبةُ في إِطارِ الزَّواجِ رَغَباتِه وَشَهَوَاتِه، فَيَجِدُ ضَالَّتَهُ في الخِيانةِ والزِّنَا.
  4. الخِيانَةُ بِقَصْدِ الطَّلاقِ: وذلك عندما يَرْغَبُ أحَدُ الطَّرَفَينِ في إَنْهَاءِ زوَاجِهِ بالطَّرفِ الثَّانِي، ولَكِنَّه لا يَجِدُ السَّبَبَ المُقْنِعَ والمُباشِرَ الذي سَيُمَكِّنُه من الحُصُولِ على الطَّلاق، وهُنا يَتَعَمَّدُ الوُقُوعَ في الخيانَةِ لِيَدْفَعَ الزَّوجُ زوجَتَهُ، أو تَدفَعُ الزَّوجَةُ زوجَها إلى الطَّلاقِ والِانْفِصَال.

ويُمْكِنُ إِرْجاعُ هذه الأَنواعِ الُمخْتَلِفَةِ مِنَ الخِيانةِ الزَّوجِيَّةِ إلى عَامِلٍ واحِدٍ وهُوَ: قِلَّةُ الِاهْتِمامِ وعَدَمُ إِشْباعِ رَغَباتِ الطَّرَفِ الآخَرِ، وخَاصَّةً مِن طَرَفِ المرأَةِ التي تَكونُ مُقَيَّدةً بِفِعلِ الحَياءِ وضَوَابِطِ التَّربِيةِ التي نَشَأَتْ فيها، فَلا تُبَادِرُ زَوجَها ولا تُسَايِرُهُ في إِشْباعِ رَغْبَتِهِ في كَثيرٍ مِنَ الأَحْيانِ، وهُنا يَشْعُرُ الزَّوجُ بِنَقْصٍ، وأَنَّه لم يَنَلْ ما كان يَصْبُو إلَيْهِ مِن وَرَاءِ هذا الزَّواجِ، فَيُحاوِلُ إِيجادَ سُبُلٍ أُخْرى يَنالُ بِها شَهْوَتَهُ ويُحَقِّقُ رَغْبَتَهُ.

ولقد زارَنَا في مَرْكزِ “زُلْفَى” لِلِاسْتِشاراتِ الأُسَرِيَّةِ، زَوجٌ يَشْتَكي الْبُرُودَ الجِنْسِي لَدَى زَوجَتِهِ، ويُفَكِّرُ في الزَّواجِ مَرَّةً أخرى، ويَحْكِي كَيفَ أنَّه قَد أَمْضَى شُهُوراً مِن الزّواجِ، ولَكنْ لم يَحْدُثْ أَنْ بَادَرَتْ زوجتُهُ بِطَلَبِ إِقامَةِ عَلاقَةٍ حَمِيمِيَّةٍ مَعهُ، لَطالمَا كان هو المُبادِرُ بِذلك، الأَمْرُ الذي يُشْعِرُهُ بِأنَّها عَدِيمَةُ المَشَاعِرِ، فَاتِرَةُ الإِحْساسِ، فَعَلى الزَّوجاتِ أنْ تَنْتَبِهَ لِهذا الأَمرِ، ويَجبُ أنْ تَعْلَمَ النِّساءُ بِأنَّ خَمسةً وسَبعينَ في الِمائَةِ من الرِّجالِ يَتَزَوَّجونَ مِن أَجْلِ إشْباعِ الرَّغَباتِ الجِنْسِيَّةِ، فَلا تُهْمِلْنَ هذا الْجانِب.

ثانيا: سُبُلُ الْوِقايَةِ مِنَ الخِيانةِ الزَّوجيَّةِ:

هُناك بَعضُ التَّدابِيرِ والإِجْراءاتِ التي نَسْتَطيعُ مِنْ خِلالِها تَجَنُّبُ وُقُوعِ الكَثيرِ مِنْ حالات الْخِيانة الزّوجِيّةِ، وأَهَمُّها ما يَلِي:

  • تَطْبيقُ مَبْدَأِ الحِوارِ الزَّوجِي، وَإِتْقانُ فَنِّ الإِصْغاءِ والاِسْتِماعِ، وطَرْحُ الْمَشاكِلِ التي تَعْتَرِضُ حيَاتَكُم الزَّوجِيَّةَ لِلنِّقاشِ وَالتَّدَاوُلِ بَكلِّ وُضُوحٍ وَمَوَدَّةٍ، بِمُجَرَّدِ ظُهُورِها، قَبْلَ أنْ تَتَفاقَمَ وتَزْدَادَ تَعْقيداً؛ لِأنَّ عِلاجَ المْشَاكِلِ في بِدايَتِها يُساعِدُ على حَلِّها بسُهُولَةٍ، ويَصْنعُ جَوّاً من التَّوازُنِ والِاسْتِقْرارِ داخلَ الأُسْرةِ.
  • تَقَبُّلُ الطَّرَفِ الآخَرِ بِعُيُوبِه ونَقائِصِهِ، والتَّجاوُزُ عَن تَقْصيرِه، فَلا أَحَدَ مِنَّا مِثالِي، وليس هُناك إنْسانٌ كامِلٌ، كُلُّنا ناقِصٌ ومُقَصِّرٌ بِقَدْرٍ ما، فَلا بُدَّ مِن أنْ نَتَقَبَّلَ الآخَرينَ كَما هُمْ، وألَّا نُحاوِلَ الضَّغْطَ عليهم لِيَكُونُوا كَما نُريدُ نَحنُ.
  • ضَرُورةُ إشْباعِ الرَّغَباتِ الْجِنْسِيّةِ لَدَى الطَّرَفَيْنِ، وإِقامَةِ علاقَةٍ حَمِيمِيَّةٍ ناجِحَةٍ، يَغْمُرُها الحُبُّ والدِّفْءُ والتَّفاهُمُ، ولا حَرَجَ في أنْ يُعْرِبَ كلُّ طَرفٍ لِلآخَرِ عمَّا يّرْغبُ فيه بِوُضُوحٍ، وأنْ تَجْتهِدَ المرأةُ في إِظْهارِ أُنُوثَتِها لِزَوجِها؛ فَهي الأَقْدَرُ على تَوْجيهِ العلاقَةِ الحَمِيمِيّةِ وإنْجاحِها، وعلى الزَّوجِ أنْ يُقَدِّرَ جُهُودَها ويُقابِلَها بِالتَّفاعُلِ والثَّناءِ.

ثالثا: كيف نَتَصَرَّفُ عند وُقُوعِ الخيانةِ الزوجيّة:

يَغْلُبُ على الأزْواجِ والأُسَرِ طَابَعُ الِانفِعالِيّةِ والِانْدِفاعِ، وَالتَّسَرُّعُ في أَخْذِ قَراراتٍ غَيْرِ مَدرُوسَةٍ عند اكْتِشافِهِم بأنَّ أحَدَ الطَّرفَيْنِ قد وَقَع في الخيانةِ الزَّوجيَّةِ، ولكنْ يَنْبَغي التَّثَبُّتُ أكثَرَ، وَعَدمُ اتِّخاذِ أَيِّ قرارٍ إِلَّا بَعدَ التَّأكُّدِ مِن وُقُوعِ الْخيانةِ الزَّوجيّةِ.

وبعدَ التَّأكُّدِ منْ وُجُودِ خِيانَةٍ بِالفعْلِ، حَاوِلِ التَّرَيُّثَ في أَخْذِ القَرارِ الأَنْسبِ، بَعيداً عَنِ الْعاطِفةِ الْجَارِفَةِ والغَضَبِ المَحْمُومِ، لِأنَّ الأَمْرَ يَرْتبِطُ بِشَرَفِ أُسْرةٍ بِأكْملِها، ويَرْتَبطُ كذلك بِسِيرَةِ الأَبْناءِ ومُستقْبَلِهم، وإِليكَ خَمسةَ أَسْئِلةٍ حَاوِلِ الإِجابَةَ عنْها قبل اتِّخاذِكَ لِأيِّ قرارٍ مُتَعلِّقٍ بِالطَّرَفِ الخائِنِ:

  1. هل أَستطيعُ تَحَمُّلَ مسؤولِيَّةِ ما حَدَثَ، والِاسْتِمْرارَ في العيْشِ مع الطَّرفِ الخَائنِ ومُعالَجةَ المُشكِلَةِ بِهُدُوء؟ ألَا يُمْكِنُنِي الصَّفْحُ والْعفْوُ عنه بِدُون شُروطٍ؟
  2. ما نَوْعُ الخِيانَةِ التي وَقَعَ فيها الطَّرَفُ الثّانِي؛ هل هي خِيَانَةٌ عَابِرةٌ؟ أمْ علاقَةٌ طَويلَةُ المْدَى؟ وهل وَقَعَ في الخِيانَةِ بِسَبَبِ تَقْصيرِي في حَقِّه وإِهْمالِي لَه؟
  3. أَلاَ زِلْتُ مُتَعَلِّقاً بِالطَّرفِ الثّانِي على الرُّغْمِ من وُقُوعِه في الخِيَانةِ؟ أَلاَ زِلْتُ أُكِنُّ له بَعضَ الْمحبَّةِ والمْودَّة؟
  4. ما هُوَ المْصَيرُ الذي يَنْتَظِرُنِي ويَنْتَظِرُ أبْنائِي إِذَا قَرَّرْتُ الِانْفِصالَ عنه؟ هل سَتَكُونُ أَوْضاعِي الِاقْتِصادِيَّةُ جيِّدةٌ؟ وهل سَتكُونُ عَلاقَتِي بِأُسْرَتي وأبْنائِي طَبِيعِيَّة؟ أم إِنَّ ذلك سَيُسَبِّبُ مَشاكِلَ نَفْسِيَّةً واجْتِماعِيَّةً ومالِيَّةً كثِيرَةً؟
  5. هل يُمْكِنُنِي نِسْيانُ الأَمْرِ مع مُرُورِ الوَقتِ؟ أَلَنْ تَخِفَّ حِدَّةُ الأَلَمِ والغُصَّةِ التي أَشْعُرُ بها الآنَ مع الأَيّامِ، كما يَحْدُثُ في حالاتٍ كثيرةٍ؟ ألَيسَتْ لِهذا الشَّخصِ الذي خانَنِي إيجَابِيَّاتٌ ومَواقِفُ طَيِّبةٌ معي؟ ألاَ يَبْدُو أنَّه لا زالَ يُحِبُّني على الرُّغْمِ من وُقُوعِه في هذا الْخَطأ؟

أَوَدُّ أنْ تَكونَ إنْساناً مُتَسامِحاً عند طَرْحِكَ لِهذه الأَسئلَةِ، وأنْ تُغَلِّبَ جانِبَ مَصْلحةِ المَجْمُوعةِ على مَصلحةِ الفَرْدِ، وأنْ تَعْلَمَ بِأنَّ ما تَتَخَيَّلُهُ مِن عَدَمِ قُدْرتِك على المُسامَحةِ والتَّجَاوُزِ، وما يَقُولُهُ الآخَرُونَ عن ضرُورةِ الِانْفصالِ، غَيْرُ صَحيحٍ؛ لِأنَّك قَوِيٌّ بِما فيه الْكِفَايةُ لِتَصْفَحَ عَن الخائِنِ، وأنْ تُوَاصِلَ الحياةَ الزَّوجِيَّةَ معهُ في جَوٍّ إيجَابِيٍّ، وقد تَتَحَوَّلُ علاقَتُكُما إلى حالٍ أَفْضَلَ مِمَّا كانت عليه قَبْلَ وُقُوعِ الخِيانَةِ، وَخاصَّةً إذَا أَصْغَيْتُما إلى بَعضِكُما جَيِّداً، وعَرفْتُما الأَسْبابَ التي أَدَّتْ إلى حُدُوثِ هذه المُشْكلَةِ.

مشكلةُ الطلاقِ مسألةٌ عوِيصَة، تُؤرِّقُ المجتمع العماني كغيرِه من المجتمعات، وتُأثّرُ بشكْلٍ سلبي على عدةِ جوانبَ من حياة الأفراد والأسر، سواءٌ من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وتُعاني عدة أطراف من هذه الآفة؛ فهناك الطَّلِيقان من جهة، والأبناءُ من جهة أخرى، وأُسَرَ الأزواج ومجتمَعُهم من جهة ثالثة.

ونحن عندما نحدثُكم عن مشكلة الطلاق، لا نحاول تَهْوِيلَ الموضوع وتَضْخِيمَه، ولكننا ننطلق من أرقام وإحصائيات، ونَستَنِد إلى لقاءات واستشارات ترد علينا في مركز زُلْفَى، وبناءً على تلك الاستشارات كذلك، سنحدد أهم أسباب الطلاق في المجتمع العماني، وأبرز مراحلِه، كما سنبين في الأخير سُبَلَ علاج هذه المعْضلة، وطرق الحفاظ على استقرار الزواج وإنجاحه.

أولا: مراحل الطلاق:

                لا يحدث الطلاق بين عشية وضحاها، ولا ينتهي بمجرد حكم المحكمة، بل إن له عدة مراحل، يمكن تلخيصها في ثلاث مراحل بارزة، وهي:

  • مرحلة ما قبل الطلاق: حيث يعيش الزوجان مع بعضهما تحت سقف واحد، ولكن في حالةٍ من الصمت الزواجي، والتَّصَحُّرِ العاطفي، وفتورِ العلاقة وبُرودِها، ثم يتحول ذلك الصمت والفتور إلى رغبة معلنة في الطلاق والانفصال.
  • مرحلة الطلاق القانوني: حيث تكون عند كلٍّ من الزوجين قناعةٌ تامةٌ بالطلاقِ من الجانب القانوني والشرعي، وتؤثر هذه المرحلةُ على الطرفين ماديا بشكل واحض، وخاصة فيما يتعلق بتكاليف النفقة والحضانة.
  • مرحلة ما بعد الطلاق: تؤثر هذه المرحلة على الجانب النفسي لكلٍّ من الطَّليقَين؛ فيبدأ الزوجان بالتفكير في حياتهما بعد الطلاق، ونظرة المجتمع إليها، ومستقبل أبنائهما، وغيرِ ذلك من الهموم التي تُثْقل كاهِل الطليقين، وتُتعبُهما نفسيًّا.

ثانيا: أسباب الطلاق:

بعد أن حدثتكم عن أهم المراحل التي يمر بها الطلاق، ننتقل الآن إلى بيان الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، ويمكن القول بأن هناك أسبابا عامةً وأسبابا خاصةً:

  • الأسباب العامة:

وهي الأسبابُ التي قد تؤدي إلى الطلاق في أي مجتمع، وفي مقدمتها ما يلي:

  1. عدم القدرة على الإنجاب؛ وذلك لسبب عضوي أو بسبب عدم رغبة أحد الطرفين في الإنجاب، فإذا كان سببا عضويا فإن الطب الحديث قد أحرز تقدما كبيرا في هذا المجال، مما يساعد على تجاوز هذه المعضلة مع الحفاظ على العلاقة الزوجية.
  2. سوء المعاملة بين الزوجين، وتصرف أحد الطرفين بقلة أدب، وعدم احترام الطرف الآخر، واحترام أهله، أو ممارسة العنف عليه.
  3. الفتور في العلاقة العاطفية والحميمية؛ مما يدفع أحد الطرفين إلى الخيانة الزوجية.
  4. مرض أحد الزوجين، وخاصة إذا كان مرضا مزمنا، ولكننا نرى في الكثير من الحالات، أن العلاقة الزوجية تستمر، ويُظهر الطرفُ المعافَى وفاءً للطرف المصاب، ويُغْدِقُ عليه من عنايته واهتمامه.
  5. تعدد الزوجات؛ فالزوجة نادرا ما تقبل بأن يتزوج زوجها بامرأة أخرى، فتطلب منه الطلاق، أو أن علاقتهما تسوء بشكل كبير بعد الزواج الثاني.
  6. عدم قدرة الزوج على تحمل نفقات الأسرة، إما لضعف حالته المادية، أو بسبب مُغالاة الزوجةِ في طلباتِها، ومحاولتِها مجاراةَ صديقاتها الثَّريَّاتِ في اللباس والاستهلاك.
  7. إدمان المخدرات أو بعض السلوكيات المنحرفة، التي تجعل من الصعب على الطرف الثاني الاستمرار في العلاقة الزوجية.
  8. أسباب الطلاق في المجتمع العماني:

تبين لنا في مركز زلفى، أن أهم أسباب الطلاق في المجتمع العماني، بالإضافة إلى ما سبق، تتجلي فيما يلي:

  1. سوء اختيار شريك الحياة؛ إذ يَفْتَقِرُ معظمُ المقبلين على الزواج إلى المهارة اللازمة لاختيار الشريك المناسب.
  2. اختلاف أنماط التفكير عند كل من الزوجين؛ فاختلاف بيئة الزوجين قد تكون سببا في عدم التفاهم والتوافق، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى الطلاق.
  3. الزواج المبكر.
  4. تدخل أهل الزوج والزوجة في حياة الزوجين.

                  ثالثا: كيفية تفادي أسباب الطلاق:

                  إن الهدف من معرفة الأسباب المؤدية إلى الطلاق، هو العمل على تجنبها والابتعادِ عنها ما أمكن، وخاصةً عن طريق اتباع الإرشادات التالية:

  • شارك في دوراتٍ تدريبية وبرامج تكوينية قبل اختيارك لشريك حياتك، وذلك انطلاقا من جوانب مختلفة، وعلى رأسها الأسرة والمحيط، ومعرفة الدوافع إلى الزواج أهي مادية أم عاطفية، وغير ذلك مما يعينك على اختيار الشريك المناسب لتكوين بيت مستقر وسعيد.
  • قف بالمرصاد أمام محاولات أسرتيكما التدخل في شؤنكما الزوجية، وأبقيا مشاكلكما الخاصةَ بعيدةً عن الوالدين والإخوة وغيرهما؛ لأن تدخل الأسر غالبا ما يؤدي إلى فشل العلاقات الزوجية، وإذا احتجتما إلى استشارة ومساعدة، فحاولا الاستعانة بمراكزَ مختصة، فذلك أَجْدى وأنفع.
  • اعْمَل على تقبل الاختلاف، والرضى عن الطرف الآخر، وتقدير ما يقوم به من جهود، واحترامِ وجهة نظره؛ فليس من الضروري أن تتفقا في كلِّ شيء، ولن تشعر بالسعادة إذا كان شريكُك نسخةً منك؛ يفكر كما تفكر، ويتفق معك في كل شيء؛ لأنه في هذه الحالة لن يضيف إلى حياتك أي معنى.

إن استمرارَ العلاقةِ الزوجيةِ لا يعني بأنّ الزوجيْنِ على وفاقٍ ومودَّة، بل قد تكونُ العلاقةُ في بعضِ الحالاتِ تعاني فتورًا وبرودًا، وهو ما يُعرفُ عند المختصين بالصمتِ الزواجي، أو الطلاقِ الصّامت، وهي مشكلةٌ تُعاني منها الكثيرُ من الأسر.

يَنشغلُ بعضُ الرّجالِ بشؤُونِ العملِ وتوفيرِ دخلٍ للأسرة، وقضاءِ وقتِ الفراغِ مع الأصدقاء، والعودةِ إلى البيتِ في وقتٍ متأخر، من دون الاهتمامِ بالزوجةِ وحالتِها النفسيّة، واستمرارُ الوضعِ على هذه الحالةِ يُؤدِّي إلى تأزُّمِ العلاقةِ الزوجية، وغيابِ الدِّفءِ والمودّةِ عنها، على الرّغم من كونِهما يعيشانِ تحتَ سقْفٍ واحد.

من أسباب الصمتِ الزواجيِّ ومظاهِره:

تتعدَّدُ أسبابُ هذه الحالةِ من البرودِ والصَّمتِ الزواجي، ولكنْ يُمكنُ الاقتصارُ على ذكرِ أهمِّ أسبابِها، وهي:

  •  اختلافُ ثقافةِ الزوجين وخلفيَّتُهما الفكريَّة، مما يُولدُ تبايُنًا في الآراءِ وتضارُبًا في القراراتِ داخلَ الأسرية.
  • وجودُ علاقاتٍ عاطفيَّةٍ خارجَ نِطاقِ الزوجيَّة، واكتفاءُ أحدِ الطَّرفيْن بالإشْباعِ العاطِفيِّ الذي تُحقِّقُه له تلك العلاقةُ، في مقابِلِ إهمالِ الزواج.
  • الخيانةُ الزوجيَّة، وهي قضيةٌ قد تُنهي العلاقةَ الزَّوجيَّةَ بشكلٍ نهائي، ولكنَّ بعضَ النساءِ يُفضِّلنَ الاستمرارَ في العلاقةِ على الرّغم من عِلْمِهنَّ بخيانةِ أزواجهم؛ تفاديًا للفضائحِ، أو حرْصا على الأبناء.

ونتيجةً لهذه المشاكلِ والاختلالاتِ الأسريَّة، تَظهرُ بعضُ أعراضِ الصّمتِ الزّواجي، من قَبِيلِ نُفورِ الزوجِ من البيت، وتفضيلِه المكوثَ مع الأصدقاءِ أو غيرِهم أطولَ وقتٍ ممكن، ويَتبَعُ ذلك فتورٌ في العلاقةِ الحمِيميَّةِ، وعدمِ وجودِ اتصالٍ جسديٍّ بين الزوجين مدةَ أسابيعَ أو أشْهُر، بالإضافةِ إلى كثْرةِ الشِّجارِ والخصوماتِ بين الزوجين، وإهمالِ الأبناء، وترْكِهم عُرْضةً لاكتسابِ سلوكاتٍ خاطئة، مثلَ الكذبِ والسرقةِ والخَجل، وغيرِها من الآفاتِ الأخلاقية.

سُبُلُ الوقايةِ من الصمت الزواجي وعلاجِه:

بعد استطْرادِنا في الحديثِ عن أسبابِ الصّمتِ الزواجي ومظاهرِه، وصلنا إلى النقطَة الأهم، وهي معرفةُ سُبُلِ الوقايةِ من هذه الحالةِ غير السليمة، وكيفيةِ تجاوزِها وعلاجِها، وأفضلُ وسيلةٍ لذلك هي الحوار والمناقشة، وكسرُ حاجزِ الصمت.

مهما كانت المشاكلُ التي تعْتَرِي الحياةَ الزوجية، فيُمكنُ تجاوُزُها بالحديثِ والحوار، وعقْدِ جلساتٍ للنّقاشِ والفضْفَضَة، وتفريغِ المشاعر السلبيةِ من خلالِ الإفصاحِ عنها، ويُفضَّلُ أن تشْتَبِك أيْدِي الزّوجيْن، أو يحتَضِنا بعضَهما قليلا، حتى تَسودَ الأُلْفَة، وتطغَى على الجلسةِ طاقةٌ إيجابية.

ومن أجلِ نجاح هذه الجلسات، لا بد من المصارحة، وتَبَنِّي ثقافةِ الاعتذار، وعدَمِ التَّعَنُّتِ والتَّعصُّبِ للموفقِ الشخصي، فلا تخجل من أن تقولَ لزوجتِك: “أعتذر حبيبتي، لقد أخطأتُ في حقك”، وأنتَ تأخُذُ يدَها بين يديك، وسترى بأن أغلبَ المشاعرِ السّلبيةِ بدأت في الاندثار، وأن المياه تعودُ إلى مجْراها الطبيعي، فتسودُ الألفَة، ويَسْرِي الدِّفْءُ في العلاقةِ الزوجيةِ من جديد.

يَتّصفُ بعض الرِّجال بالعصبيّةِ والانفعالِ وسرعةِ الغضب، مما يَجعلُ من الصعب التعاملَ معهم في كثيرٍ من الأحيان، وتجنبَ إثارةِ غضبِهم، وتلافِي العنفِ النّاتجِ عن ذلك، وإذا كان زوجُك من هذا النوع، فإنني سأقدم لكِ الآن استراتيجيةً تساعدُك على التعاملِ مع زوجِك العصبيِّ بشكلٍ صحيح، وذلك من خلال معرفةِ أسبابِ هذا الانفعال، وكيفيةِ تهدئَتِه.

وقبل الدخول في صُلْبِ موضوعِنا، لا بد من التأكيدِ على أن سلامةَ الزوجة، وممارسةَ أيِّ عُنْفٍ جسدي عليها، يُعتبرُ خطًّا أحمر، مهما كانت حالةُ الزوجِ العصبيةُ والانفعالية.

أولا: أسبابُ فقدانِ الزوجِ أعصابَه:

ترجع أسباب الغضب عند الزوج إلى عوامل متعددة، من أبرزها:

  • الاختلاف في وجهات النظر والآراء والاختيارات بين الرجل والمرأة؛ حيث أن هذه الاختلافات تكون أحيانا مسببا للغضب، وخاصة عندما تحاولين جعله يفكر وفق نمط تفكيرك، ويتفق معك في آرائك واختياراتك، فهذا الأمر يزعج الزوج ويثير غضبه.
  • ومن أسباب انفعال الزوج وفقدانه لأعصابه، محاولتُك التحكم فيه، وفرض سيطرتك عليه وعلى قراراته المتعلقة بالبيت والأسرة، وهذا الأمر يزعج الرجل، لكونه يعتبر نفسه مُعيلَ الأسرةِ والقائمَ بشؤونها والمسؤول عنها، فإذا أحسَّ بأنك تحاولين سحبَ هذه المسؤولية منه، فإن ذلك سيزعجه ويثير غضبه.
  • محاولةُ فرضِ السيطرةِ غيرِ المباشرةِ على الزوج، من خلال تتبعكِ لكلِّ شؤونِه ومعرفةِ كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ عنه، وإزعاجِه بكثرةِ الأسئلةِ، مثل: أين كنت؟ مع من كنت؟ ماذا فعلت؟ ماذا أكلت؟ إلى درجةٍ تُشعرُ الزوجَ بأنكِ تريدين فرض السيطرة عليه والتحكمَ في حياتِه، فتجعلينَه يشتعل غضبًا من غيرِ أن تَنتبِهي.
  • الغضب والانفعال بسبب مشاكل العمل، وسوء تصرف الزبناء، أو قرار الإدارة، أو أوضاع السوق والخسائر، فيدخل الزوجُ البيتَ وهو منفعلٌ فاقدٌ لأعصابه، يَنتظرُ أدنى سببٍ للتَّنفيس عن غضبه، والانفجارِ بالصراخ في وجهِ زوجتِه بمجرَّدِ أن تطرحَ عليه سؤالا أو تطلبَ منه خدمةً، فمِنَ الأفضلِ ألا تُزعجِيه في مثلِ هذه الظروف.

ثانيا: كيف تَتعاملينَ مع زوجِك العصبِيِّ؟

سننتقل الآن للحديث عن كيفية التعامل مع الزوج العصبي، وقبل ذلك نلفت انتباهكِ إلى أول مبدأٍ في التعامل مع الزوج العصبي، هو اجتناب الأسباب التي تؤدي إلى إثارة غضبه وانفعاله، ونضيف إلى ذلك مجموعةً من النقاط المهمة، منها:

  • عند وقوعِ خلافٍ بينكما، حاولي أن تتحكمي في غضبكِ وانفعالاتك، وتجنبي الدخول في نقاشٍ وجدالٍ مع الزوج؛ فقد يُؤدي ذلك إلى خروجِه من البيت لفترةٍ طويلة، أو يَصل به الحال إلى الاعتداء عليك بالضرب، وهنا نكون أمام مشكلةِ عنفٍ أسري. فالمطلوب منكِ إذًا، ألَّا تدخلي في حوارٍ مع زوجِك إلا بعد أن تهدأَ الأجواء.
  • لا تفكري في الانسحابِ والهروبِ من مواجهةِ حقيقةِ أن زوجَك عصبي، بل المطلوبُ منكِ هو أن تتراجعي قليلا إلى أن تهدأَ موجة غضبِه، وفي هذه الحالة تعاملي معه بلطف، اجلسي بجوارِه، وحدثيه بكلمات معبرة، مليئةٍ بمشاعر المودة والثناء والتقدير، وأعْرِبِي له عن رغبتك في تقديم أي مساعدة له لإنجاح علاقتكما، وتجاوز المشاكل التي تعترض طريقكما، هَوِّنِي من قدر المشكل في نظره، وأشعريه بالاطمئْنان، وأخبريه بأنك تثقين فيه، وأنه قادرٌ بإذن الله على رعايةِ أسرته بنجاح.
  • في حالة ما لم تنجحْ أيٌّ من هذه الطرق والمحاولات، لا تتردَّدِي في الاتصال بأخصائي أو مركز استشارات أسرية، للمشورة وتقديم الحلول الأنسب بناءً على حالتكم الخاصة؛ سواءٌ كنتِ زوجةً تبحثين عن طريقة للتعامل مع زوجك العصبي، أو زوجًا يُريد التحكمَ في انفعالاته، وتقليلَ غضبِه، وأبواب مركز زُلْفى مفتوحةٌ أمامكم لتقديم المشورة والنصيحة، ومساعدتِكم على تحقيق الاستقرار والسعادة الزوجية، وإذا تعذر عليكم الحضورُ إلى المركز، فبإمكانِكم الاتصالُ بالمركزِ عبر الهاتف أو غيرِها من وسائل الاتصالِ المتاحة.

بعد تَتبُّعنا لكثيرٍ من الحالاتِ التي تَرِدُ على مركزِ زُلْفى للاستشاراتِ الأسرية، ومحاولةِ معرفةِ أسبابِ المشاكلِ والخلافاتِ الزوجية، وعدمِ التوافقِ بين الزوجين، نَجِدُ بأنَّ أغلَبَها يَعودُ إلى عدمِ فهم الزوجين لبعضِهما، وجهْلِهِما باحتياجاتِ الطَّرَفِ الآخرِ ورغباتِه، ومن هنا سنُحاوِلُ إطلاعَكم على طُرُقٍ فعَّالةٍ في فَهم الآخرِ ومعرفةِ ما يريدُه ويحتاجُه.

 إذا أرَدتَ أن تَعرفَه فاسْأَلْه:

يَشتكي عددٌ كبيرٌ من المتزوجين من كَوْنِهم لا يَفهَمون الطرفَ الآخر، ولا يَستطيعون معرفةَ رغباتِه، وهذا أمرٌ طبيعي، خاصةً في السنواتِ الأولى من الزواج، والأشخاصُ الذين يفهمون بعضَهم لا يَمتَلِكون قدراتٍ خارقةً تَمكِّنُهم من قراءَةَ أفكارِ الآخرين، بل إنهم بكلِّ بساطةٍ يَسألون أسئلةً مباشرة: ما الذي تُريده؟ ما هي الأشياءُ التي تُحبها؟ أيُّ الأمورِ تُزعِجُك؟ ومن خلالِ تكرارِ مثل هذه الأسئلةِ بشكلٍ مناسب، تَتكون لديهم مع الوقتِ معرفةٌ وفهمٌ عميقٌ بالطَّرفِ الآخر.

لا تَعتَقد بأن ذلك سيزعجُه أو يُسبِّبُ له الإحراج، بل إنه سيَرْتاحُ لمثلِ هذه الأسئلة، وستُشعرُه بمدَى اهتمامِك واعتنائِك به.

إن الاهتمامَ من أبرزِ الحاجِياتِ النفسيةِ للإنسان، وهي حاجةٌ لا تَفْتُرُ مهما كان مستوى الإنسانِ المعرِفِيِّ، أو قيمتُه أو مكانتُه الاجتماعيَّة، ولكن الأزواجَ في الغالِبِ يَغْفَلون عن إِظهارِ الاهتمامِ ببعضِهم بسبب الاعتيَاد؛ حيثُ يُصبِحُ تفكيرُ الزَّوجِ مُنصَبًّا على العملِ وتوْفيرِ مسْتلْزَماتِ البيتِ والأبناء، ويَنصَرِفُ تفكيرُ الزّوجةِ للتّركيزِ على المطبخِ والتّنظيفِ وتربيّةِ الأولاد، وهكذا يَحدُثُ نوعٌ من الإهمالِ غيرِ المقصود، يَتَرتَّبُ عنه عدم فهمٍ للآخرِ، وجَهلٌ برغَباتِه واحْتياجاتِه، مما يَتسبَّبُ في الكثيرِ من المشاكلِ الزوجية.

وعندما نَتحدَّث عن الاهتمام، فإننا لا نَقصدُ التّركيزَ فقط على الجوانبِ المهمَّةِ في حياة الطّرفِ الآخر، بل والاهتمامُ كذلك بتفاصيلَ نَعتَبرها نحن غيرَ ذاتِ أهمِّيَّة، لأن التّركيزَ على تلك التَّفاصيلِ سيُعطِينا فهمٌا أدقَّ وأوضحَ عن شَريك الحياة.

فحاول أيُّها الزَّوجُ الطيِّبُ، أن تكون صَبورًا وأنتَ تَستَمعُ إلى زوجتِك وهي تحدِّثك عن أعمالِها المنزلية التي تبدو لك أعمالا رَتِيبة، وأن تُنصِتَ لها بتمعُّنٍ وهي تُخبرُك عن ألمٍ خفيفٍ أحست به في قدمَيْها، وأنتِ كذلك أيَّتُها الزوجةُ الكريمة، إن كان زَوْجُك يُحبُّ أن تُطْوَى ثِيابُه بطريقةٍ معيَّنة، أو أن تُوضَعَ أغْراضُه وِفْقَ تَرتيبٍ معيَّن، فلا تَعتبِري ذلك أمرا تافِها، واهتمامُكما بمثل هذه التفاصيل، سيُضْفِي على علاقَتِكما جَوًّا من الأُلْفَةِ والتَّفاهُم العمِيق.

أُطْلُبْ ما تُريدُه:

إذا كان شريكُ حياتِك غيرَ قادرٍ على سُؤالِك عن رَغباتِك، ولا يَفهَمُ احتياجاتِك، فلا تَتردَّد في طلبِها منه بشكلٍ مُباشر، وبذلك تُساعدُه على فَهمِك ومعرفةِ اهتماماتك، ولكن ينبغي مُراعاةُ بعضِ الشُّروطِ التي تَجعل طلَبك مقبولًا ومُرحَّبا به، ومنها ما يلي:

  1. اختيارُ الوقْتِ المناسب: يَنبَغِي على كلا الزوجَيْن مُراعاةُ الوقتِ المناسبِ لتقديمِ طَلَباتِهما، فلا تُبادِرِي أيُّتُها الزوجةُ بطَلبِ شيءٍ من زوجِكِ حالةَ كونِهِ مُنْزعِجًا من العَمل، أو تَعرُّضِه لضُغوطٍ مالِيَّة؛ لأن ذلك سيُشعِرُه بأنَّكِ لا تَعبَئِين لظُرُوفِه، ولا تُفكِّرين إلا في نَفْسِك ومَصْلَحتِك، وكذلك الحَالُ بالنِّسبَةِ لكَ أيُّها الزَّوْج، عليكَ أن تَختارَ أنْسبَ الأوقاتِ لتَطْلُبَ من زَوْجَتِك ما تَرْغَبُ فيه، مُراعِيًا في ذلك مِزاجَها وحالَتها الصِّحيَّة، لأن الطَّلباتِ المقدَّمَةَ في وَقتٍ غيْرِ مُناسِبٍ غالِبًا ما تُقابَلُ بالرَّفْض.
  2. الاختصارُ والوضُوح: على المرأةِ أن تَفهَمَ بأنَّ أغْلبَ الرِّجالِ يُحبُّون الكلامَ الواضِحَ والمخْتَصَر، ويَنزعِجُون من كثرةِ الكلام، واللَّفِّ والدَّوران حولَ الموضُوع، والغُموضَ في العِبارات، ومن هنا نَنْصَحُكِ بأن تُقدِّمي طَلبَك لزوْجكِ بعبارةٍ واضحةٍ موجَزة، وستَجِدينَه في الغالبِ يَتقبَّلُ طلَبَكِ بكلِّ ارْتِياح.
  3. لا حاجةَ للإقْناعِ والجِدال: إذا تَقدَّمْت أيُّها الزوجُ أو الزوجةُ إلى شَريكِ الحياةِ بطلَبٍ ورَفَضَ تَلبِيَّته، فلا تُحاوِل الدُّخولَ معه في نِقاشٍ وجِدالٍ بهَدَفِ إقْناعِه والضَّغطِ عليه للموافَقة، لأنَّ مثلَ هذه المجادَلَةِ لن تُثمِرَ في الغالِب، بل ستُفْضي إلى سوءِ تفاهمٍ بينَكما، لِذَا يُفضَّلُ تَجاهُلُ الأمرِ أو تَأجيلُه إلى وقتٍ آخر.
  4. تَجنَّبَا صِيغةَ الأمر: لا أَحدَ يُحبُّ أن تَوجَّه إليه الأوامرُ وأن تُفرَضَ عليه الطَّلباتُ فرْضًا، وخاصةً إذا كانَ الأمرُ بين شخصيْنِ تَربِطُهما علاقةُ مودَّةٍ ومحبَّة، فإذا أردْتَ أن تَطلبَ شيْئا من شَريك حَياتِك، فحاولْ طَلَبَه بأسلوبٍ مُهذَّبٍ وصيغَةٍ لائِقَة، مع اختيارِ عباراتٍ فيها بَعضُ التَّودُّد، أو مَصحُوبَةً بالثَّناء، مما سيَجعَلُ الطَّرفَ الآخرَ يُوافِقُ على طلبِك بِكلِّ سُرور.
  5. التجديدُ والبُعْدُ عن الرَّتابَة: علينا من حينٍ لآخرَ أن نَطلُبَ أشياءَ جديدةً وغيرَ مُعتادَة، تُسْهِمُ في كَسْرِ الرَّتابَةِ والمَلل، وتُضْفِي على حَياتِكُما الزوجيةِ جدَّةً وحيوِيَّة، ومثلُ هذه الطَّلباتِ قلَّما تُواجَه بالرَّفْض، بل إنَّ الطَّرفَ الآخرَ سَيُسرُّ بها، ويَنتظِرُ مثلَها بِفارِغِ الصَّبْر، إن كانت لا تَتجاوَزُ إمكاناتِه.
  6. الجرأةُ والصَّراحَة: قد نَكبِتُ الكثيرَ من رَغباتِنا، ونَتجاهَلَ احتياجاتِنا بسبَبِ عدَمَ قُدرَتِنا على البوْحِ بها، وقولِها لشَريكِ حياتِنا بشكلٍ صَريح، ويَستَمرُّ ذلك الكَبْتُ والصَّمْتُ إلى أن يَتحوَّلَ إلى غُصَّةٍ في النَّفْس، يَشعُرُ معها الطَّرفُ الصَّامِتُ بالظُّلمِ وعدمِ الاهتِمام، ولتَجنُّبِ مثلِ هذا المصِير، يَنبغِي لَنا اكتِسابُ بعضِ الجُرأةِ المتَّزِنَة، ومُصارَحةِ شريكِ الحياةِ بما نَشعُرُ به ونُريدُه من دونِ خجَل، وبهذه الصراحةِ ستزْدادُ ثقةُ الطَّرفَينِ في بعضِهما، وتَتوَثَّقُ عُرَى المودَّةِ بينهما.

باتِّباعِكُما لمثلِ هذه الخُطُواتِ والشروطِ في تقديمِ طلَباتِكما، ستُلبَّى الكثيرُ من الاحتياجاتِ والرَّغبات، وسيزْدادُ فهمُكما لبعضِكُما، إلا أن ذلك لا يَعني أنَّ الطَّرفَ الآخرَ سيُلبِّي جميعَ الطَّلبات، فذلك شِبه مستَحِيل، لِذَا لا يَنبغِي الانزِعاجُ من اعتذارِه عن عدَمِ قدرَتِه على تلْبِيَّةِ طلَبِنا، بل يَجِبُ أن نُقابِلَ اعتذارَه بالتَّفهُّم والقَبول، ونُثْني في المقابِلِ على الأشياءِ التي قَبِلَها ونفَّذَها لَنا.

لا تكونُ المشاكلُ الزوجيةُ في الغالِبِ على درجةٍ كبيرةٍ من الحدَّةِ والتَّعقِيد، ولكنَّ أسلوبَ تعامُلِنا معها، وطريقةَ مُعالَجتِنا لها، هي ما يَزيدُها تَعقيدا وحدَّة، ومن أجلِ ذلك سنُحاولُ إطلاعَكم على أهمِّ خُطوةٍ في حلِّ المشاكلِ الزّوجية.

يَكمُنُ سِرُّ الإدارةِ الناجحةِ للخلافاتِ الزوجة، في أن يَنطلِقَ كلُّ طرفٍ من ذاتِه، وأن يُصارِحَ نفسَه قبلَ محاولةِ مُعالَجةِ الخلافاتِ ومناقشةِ المشاكلِ العالِقة؛ لأن المشاكلَ الخارجيةَ لا تُحلُّ إلا بمعالجةِ وحلِّ المشاكلِ الداخلية، فانْطلِقْ من نَفسِك، وأزِلْ عنها حجابَ العِصْمَةِ الوهْمِي، وقف على عُيوبِها ونقائِصِها وأخطائِها، وكن مُتقبِّلًا لحقيقةِ أن الخطأَ يُمكنُ أن يكونَ قد بَدَرَ منك، وأن الطَّرفَ الآخرَ مظْلُوم، أو أنّكما تَتقاسَمانِ المسؤوليَّةَ على قَدَمِ المساواة، وبعدَ هذه المصالَحةِ والمصارَحةِ مع الذّات، ستَجِدُ من السَّهلِ مُناقَشةَ مشاكِلِك الزوجية، وتَجاوُزَ الكثيرِ من النّقاطِ الخلافيَّةِ غيرِ المهمة.

تَتفاقَمُ المشاكلُ بسبَبِ سوءِ تعامُلنا معها، فَتجِدُ الزوْجَ يَتخاصَمُ مع زوجتِه ويُكلِّمها بأسلوبٍ جارحٍ لأن ابنهما سقطَ من على الكرسي، ويقول لها “أنت السبَبُ في ذلك، إنك مقصرةٌ في حقِّ أبنائِك”، وهذا الأسلوبُ الجارِحُ يولِّدُ خصوماتٍ طويلةَ المدى بين الزوجيْن، قد تتَّجه في الأخيرِ إلى الطلاق، ولو أن الزوْجَ كان مُتصالِحا مع ذاتِه، وتعاملَ مع الموقفِ بعقلانِيَّةٍ ومصداقية، بعيدا عن الانفعالِ والتَّحامل، لوجد بأن الزوجةَ لم يَكن لها أيُّ دورٍ في هذه الحادثة، وأنه كان حاضرا بدورِه أثناءَ سقوطِ طفلِهما، فلا داعي لإلقاءِ اللَّومِ على الزوجة.

وكذلك الحالُ بالنِّسبةِ للمرأة، ينبغي لها أن تَتصالحَ مع ذاتِها، وأن تُوقِن بأنَّ زوْجها ليس مِلْكًا لها، وبالتالي لا تُحاولُ منعه من السَّهرِ مع أصدقائه، أو الضغطِ عليه لكَيْلَا يتأخرَ في العمل، وأن تَعرِفَ بأن سهرَه في بعضِ الأحيان خارجَ البيتِ أمرٌ مقبول، وتأخُّرَه في العملِ ليس باختيارِه، وهكذا تَتلَافَى الوقوعَ في كثيرٍ من المشاكلِ والخُصومات.

والخلاصةُ أنَّ الكثيرَ من المشاكلِ الخارِجيَّةِ لا تُحلُّ إلا بمُعالجةِ دَواخِلِنا أولا، والمصالحةِ مع ذَواتِنا، ومصارحةِ أنفُسِنا، والتَّعاملِ مع نَقصِنا وتَقصيرِنا بواقعيةٍ وإنصاف، وألَّا نُحاولَ إلْقاءَ اللَّومِ على الآخرِ والواقِعِ والأحداث؛ لأنَّ أكبرَ التَّحولاتِ وأعمَقَها يأتي من الداخلِ لا من الخارج.

انْطِلاقاً مِنْ بَعضِ الْعَيِّنَاتِ والْحالَاتِ الزَّوْجيَّةِ، التِي تَأْتِي لاِسْتِشارَتِنا في مَرْكزِ “زُلْفَى” لِلِاسْتِشاراتِ الأُسَريَّةِ، فَقد شَخَّصْنَا بَعْضَ أكْثرِ الأَسْباِب التي تُفاقِمُ المشَاكِلَ الزَّوجيَّةَ وتَزيدُها تَعقيداً، لذلك ارْتأَيْتُ أنْ أُوَجِّهَ إلَيكُما أيُّها الزَّوجَانِ الْكَريمانِ، خَمْسَ نَصائِحَ ذَهَبِيَّةٍ تُجَنِّبُكُما الوُقُوعَ في الْكثيرِ منَ المْشاكِلِ الزَّوجيَّةِ، وَتَحُولُ دُونَ تَفَاُقِم الخِلَافاتِ الصَّغيرَةِ وتَحْويلِها إلى مُشْكِلاتٍ عَوِيصَةٍ، فَأَرْجُو أنْ تَسْتَمِعوا لِهذه النَّصائِحِ بِتَرْكيزٍ وإِمْعَانٍ.

أولا: تَجَنَّبَا إِدْخالَ الأَهْلِ في خِلافِاتِكُما:

مِنَ الخَطأِ أنْ نَلْجأَ عند ظُهُورِ أيِّ خلافٍ، وَبُرُوزِ أدْنى مُشكِلةٍ في حَياتِنا الزَّوجيّةِ، إلى الِاتِّصالِ بِالأَهلِ، وَدَعْوَتِهِم لِلتَّدَخُّلِ من أَجْلِ حَلِّ هذا المُشْكِلِ، وَوَضْعِ حَدِّ لِهذا الِاخْتِلافِ، وَغالِباً ما يُؤَدِّي تَدَخُّلُ الأَهْلِ إلى تَفَاقُمِ المَشاكِلِ بَيْنَ الزَّوْجيْنِ، بل وَتَصْدِيرَها لِتُصْبِحَ مُشْكلةً بَيْنَ عَائِلَتيْنِ.

فَعَلَى الرَّجُلِ الحَكيمِ والمرأةِ الْوَاعِيَةِ، أنْ يَتَجَنَّبا إِشراكَ أَهْلِيهمْ في حياتِهِم الزَّوجيّةِ، وتَدَخُّلِهم في مَشاكِلِهما الخَاصَّةِ، ويَجِبُ عليهما بِالمْقُابِلِ، مُناقَشةُ المُشكِلةِ مع بَعْضِهِما بِهُدُوءٍ، وَمُحاوَلَةُ إِيجِادِ نِقاطٍ لِلتَّقارُبِ والتَّوَافُقِ، ولَوْ اقْتضَى الأَمْرُ تَنَازُلَ أحَدِ الطَّرفَيْنِ قليلًا مِنْ أَجْلِ مَصْلحةِ الْجميِع، وَاسْتِمْرارِ العَلاقَةِ الزَّوْجيَّةِ.

ثانيا: تَقَبَّلاَ طِبَاعَ بَعضِكُما:

أُوَجِّهُ خِطابِي هُنا إلى المُقْبلِينَ على الزّواجِ وَالمْتُزوِّجينَ على السَّواءِ، قائِلاً لهم: اخْفِضُوا مُسْتوَى تَطَلُّعاتِكُم وَتَوقُّعَاتِكُم، ولا تَنْتظِرٌوا مِنْ شَريكِ الحَياةِ أنْ يَكونَ شَخْصاً مِثَالياً؛ تُعْجِبُكم كُلُّ تَصَرُّفاتِهِ وطِبَاعِهِ وأَفْكارِهِ وانْفِعَالاَتِه، فهذا أكْبرُ وَهْمٍ يَعِيشُ به كَثِيرٌ من الناس، ويُسَبِّبُ لهم مشاكلَ كَثيرَةٍ مع مَنْ يَعِيشُونَ مَعهمْ ويُخالِطُونَهُم في حَياتِهِمْ.

أَزِلْ عَنكَ هذا الْوَهْمَ، وتَقَبَّلْ شَريكَ الحياةِ كَما هُوَ، وتَعَامَلْ مع شَخْصِيَتِهِ وطِبَاعِهِ ومُيُولَاتِه على أنَّها جُزْءٌ منْ ذَاتِه لا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ منه، وليس أمَامَكَ خِيَارٌ آخَرَ غَيْرَ التَّعَايُشِ، وإلَّا فَإنَّك سَتَجُرُّ نَفْسَكَ إلى مُشْكلاتٍ أنْتَ في غِنًى عنها، وسَتَجْعَلُ شَريكَ حيَاتِك، بَلْ وَكُلُّ مَنْ يُحِيطُ بِكَ، يَتَجَنَّبُكَ ويُحاوِلُ الِابْتِعادَ عَنْكَ.

عَلَيكَ أنْ تَعْرِفَ بِأنَّكَ نَشَأْتَ في مُحِيطٍ مُعَيَّنٍ، وأنَّ لَكَ طِباعاً وأفْكَاراً اكْتَسَبْتها مِنْ عائِلَتِكَ وتَجارِبِكَ، ومِنْ أشْياءٍ لم يَعِشْها أحَدٌ غَيرَكَ، فَأنْتَ مُتَمَيِّزٌ في بَعضِ جَوَانِبِكَ، وَلكَ خِصِالٌ وَطِباعٌ لم يَأْلَفْها غَيْرُكَ، وكذلك شَرِيكُ حَياتِكَ؛ فَهُوَ بِدَوْرِه عَاَش في كَنَفِ أُسْرةٍ أخرى، وتَرَبَّى على يَدِ وَالِدَيْنِ غيْرَ وَالِدَيْكَ، وَخَاضَ تَجَارِبَ، وتَلَقَّى مَعلُوماتٍ وأفْكَاراً تَخْتَلِفُ عن أفْكَارِكَ ومَعَارِفِكَ، بَلْ إنَّ جِنْسَهُ يَخْتلِفُ عن جِنْسِكَ؛ فإنْ كُنتَ أنتَ ذَكَراً فَهي أُنْثَى، وإنْ كُنتِ أنْتِ أُنْثى فَهِو ذَكَرٌ؛ فَكَيفَ تُريدُ مِنه أنْ يَكونَ مِثْلَكَ في أفْكَارِكَ وتَصَرُّفاتِكَ ومُيُولَاتِكَ؟ هذا أمْرٌ لا يُعْقَل، بل إِنَّهُ يَتَنَاقَضُ مع سُنَّةِ الاِخْتِلافِ التي أَوْجَدَها الله تعالى، وهو الْقائِلُ سبحانه: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36].

ثالثا: صَارِحا بَعْضَكُما بِكُلِّ وُضُوحٍ:

الصَّرَاحَةُ والوُضُوحُ مِنْ أهَمِّ المَبَادِئِ التي تَقُومُ عليها الحَيَاةُ الزَّوجيَّةُ السَّعيدَةُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعامُلِ الزَّوجَيْنِ مع بَعْضِهِما بِوُضُوحٍ وشَفَافِيَةٍ، والحَديثِ عَن مَشاعِرِهِما وخَوَاطِرِهِما بِكُلِّ صَراحةٍ وأَدَبٍ، وبِذلِك تَتَوَطَّدُ عَلاقَتُهُما أَكْثَر، ويَصيرَانِ أكْثَرَ تَفَاهُماً وتَقَبُّلاً لِبَعْضِهما.

وهُنَا أَنْصَحُ الزَّوجَيْنِ بِتَخْصِيصِ أوْقاتٍ لِلْجُلوسِ والْحَدِيثِ في مَوَاضِيعَ مُخْتلِفَةٍ، وعَدَمِ الِاقْتِصارِ على أَحَادِيثِ غُرْفَةِ النَّوْمِ، ويُفَضَّلُ الخُروجُ أحْياناً لِأَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ أجْلِ النِّقَاشِ وتَجَاذُبِ أطْرافِ الحَديثِ، وليس مِنَ الضَّرورَةِ الحَدِيثُ عن عَلاقَتِهِما وحَيَاتِهِما بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ، بَلْ إنَّ حَديثَهُما في أيَّ مَوْضُوعٍ ثَقَافِيٍّ أَوْ اجْتِماعِيٍّ أوْ اقْتِصادِيٍّ، سَيُسَاعِدُهُما على فَهْمِ بَعضِهِما أكْثَرَ، ويُقَرِّبَ وِجْهَاتِ النَّظَرِ بيْنَهُما، ويُجَنِّبُهُما الكَثيرَ مِنَ الخِلاَفاتِ والنِّزَاعاتِ.

رابعا: اكْتَسِبَا ثَقَافَةَ الِاعْتِذَارِ:

ليس مِنَّا مَنْ لا يُخْطِئْ ويُقَصِّرْ في حَقِّ الآخَرينَ، وليس مِنَّا مَنْ ليس لَهُ عُيُوبُهُ ونَقَائِصُهُ، فَلَا تَتَكَبَّرْ على شَرِيكِ حَياتِكَ، وَلا تَتَرَدَّدْ في الِاعْتِذارِ لَهُ عَنْ أيِّ خَطَأٍ أَوْ هَفْوَةٍ صَدَرَتْ مِنْكَ، ولا تَعْتَقِدْ بِأنَّ ذلك يُقَلِّلُ مِنْ قِيمَتِكَ عِندَهُ، بَلْ على الْعَكْسِ تَماماً؛ سَتَزيدُ قِيمَتُكَ في نَظَرِ شَريكِ حَيَاتِكَ كُلَّما اعْتَذَرْتَ له عن أخْطائِكَ، وعَبَّرْتَ له عَنْ أنَّكَ أخْطَأْتَ في حَقِّهِ وتُرِيدُ منه أنْ يَصْفَحَ عَنكَ، كَمَا أنَّك سَتَشْعُرُ بِالرِّضَا عن نَفْسِكَ، وسَيَزيدُ تَقْديرُكَ لِذَاتِكَ، وبِذلكَ تُصْبِحَانِ زَوْجَيْنِ أكْثرَ مَحَبَّةً وَتَآلُفاً.

خامسا: لا تَلُوذَا بِالصَّمْتِ:

عندما تُوَاجِهَان مُشْكلةً في حَيَاتِكُما الزَّوجيَّةِ، لا تَلُوذَا بِالصَّمْتِ، ولا تَفْرِضَا على حياتِكُما حَالةً مِنَ السُّكُوتِ السِّلْبِيِّ، والِانْفِصالِ العَاطِفِيِّ، بَلْ تَحَدّثَا عَنها بِكُلِّ وِدٍّ وأُلْفَةٍ، حتَّى لا تَكْبُرَ تلك المَشَاكِلُ في صَمْتٍ، وتَتَحَوَّلَ إلى قَنَابِلَ مَوْقُوتَةٍ، وأَلْغامٍ تُهَدِّدُ حيَاتَكُما الزَّوجِيَّةَ في أيِّ لَحْظةٍ.

تَحَدَّثا لِبَعضِكُما عمَّا يُزْعِجُكُما، وَفَضْفِضَا بِكُلِّ أَرْيَحِيَّةٍ، وأصْغِيَا لِبَعضِكُما، وهذا الكَلامُ مُوَجَّهٌ لِلزَّوجِ بِالدَّرَجَةِ الأُولَى؛ لِأنَّ الزَّوجةَ في حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى حُضْنٍ يُدفِّئُها، وقَلْبٍ يَتَعَاطَفُ مَعَهَا، وأُذْنٍ تُصْغِي لِهُمُومِهَا وشُؤُونِهَا، ولَكنْ انْتَبِهِي أيُّها الزَّوجةُ مِنْ خَطَأٍ تَقَعُ فيه الكَثِيرُ مِنَ النِّسَاءِ، وهُوَ كَثْرَةُ الشَّكْوَى والتَّذَمُّرِ، فَقَدْ تَدْفَعِينَ زَوْجَكِ إلى الِابْتِعادِ عَنْكِ، واجْتِنَابِهِ الْحَديثَ مَعَكِ، بِسَبَبِ تَشَاؤُمِكِ وسِلْبِيَّتِكِ.

تَبدأُ الحياةُ الزوجيةُ مُفْعَمةً بالمحبَّةِ والسَّعادَة، وطافِحةً بالأُلْفةِ والتَّفاهُم، إلا أن ذلك لا يَدومُ لوقْتٍ طويل، فبعْدَ مرورِ أشهُرٍ أو سنواتٍ قليلة، تَأخُذُ نِسبَةُ الحَيوِيَّةِ الزَّوجيَّةِ في الانْخِفاض، وتبدأُ مُعدَّلاتُ الدِّفْءِ والمودةِ في التراجع، وتكثُرُ التَّحديَّاتُ والإكْراهاتُ التي تُعكِّرُ صَفْوَ الحياة، ويَنصَرِفُ كِلَا الزَّوجيْن لشُؤُونِ العَملِ والتَّربيَّةِ والبَيْت، تارِكينَ زَهْرَةَ زَواجِهم تَذْبُلُ وتَمُوت، ولِتجنُّبِ هذا المصيرِ المشْؤُوم، سأُحدِّثُكم الآن عن عشرةِ مفاتيحَ ذَهبِيَّةٍ تُحققُ السَّعادَةَ الزوجيَّة، وتُساعِدُنا في الحِفاظِ على الأُلْفَةِ والدِّفْءِ والمودَّةِ في بُيوتِنا وحَياتِنا.

المفتاحُ الأول: تجديدُ العلاقةِ الزوجيَّة:

مِن الجميلِ حَقًّا أن نُجددَ حياتَنا الزوجيَّة، وأنْ نَكسِرَ الرَّتابَةَ التي تُسببُ بُرودَ وفُتورَ العلاقةِ بين الأزواج، وذلك من خِلالِ القِيامِ بأشْياءٍ غيْرِ مُعتادَة، والخُروجِ في نُزهَةٍ غيرِ مُتوقَّعَة، وشرَاءَ هديَّةٍ بشكْلٍ مُفاجِئ، واستِعمالَ عِباراتٍ لم يَسبِقْ لشَريكِ الحياةِ أن سَمعَها مِنك، وبذلك تَجرِي دماءٌ جديدةٌ في علاقَتِكما، وتَشعُرانِ وكأنَّكُما تَزوَّجتُما من وَقْتٍ قريب.

المفتاحُ الثاني: الصَّراحَةُ والوُضوح:

لا يُمكِنُ لعلاقَةٍ مبْنيَّةٍ على الكذِبِ والخِداعِ أن تَكونَ علاقةً سعِيدةً وجيِّدَة، ولا يُتصوَّرُ أنها تَسْتمِرُّ لوقِتٍ طوِيل، وهنا نَحُثُّ كِلا الزَّوجيْن على اتِّباعِ الصِّدْقِ والمصارَحةِ والوُضوحِ مع شَريكِ الحياة، وأنْ نُفصِحَ له عَمَّا يُزعِجُنا فيه بكُلِّ احتِرام، مع استِعْدادِنا لتقبُّلِه بكلِّ ما فيه.

ليس من الضَّرورِيِّ أن تَكونَ جارِحًا لتكونَ صادِقا، وليس من الضَّرورِيِّ كذلك أن تَكونَ كاذِبًا لتَكونَ محْبُوبًا، بل الأفْضَلُ من كلِّ هذا وذاك، أن تكونَ صَراحَتُك مُهذَّبَة، وأن يكونَ كلامُك هادِفًا، أمَّا الكَذِبُ فإنَّه يَجرُّ إلى انْعدامِ الثِّقةِ والسَّكِينَةِ في الحياةِ الزَّوجيَّة، ويُفْضِي في كثيرٍ من الحالاتِ إلى الطَّلاقِ وتشتُّتِ الأسَر.

المفتاحُ الثالث: الاهتِمامُ بشَريكِ الحياة:

يُتعبَرُ الاهتِمامُ من أكثرِ الأمورِ المفْضِيَّةِ إلى اكتِسَابِ قلْبِ شَريكِ الحياة، وجَعلِهِ أكثرَ تعلُّقًا بك، فليَحْرصْ كِلا الزَّوجَين على الاهْتمامِ بشريكِ الحياة، سواءٌ كان ذلك من خِلالِ الكَلِماتِ أو النَّظراتِ واللَّمَسات، أو من خِلالِ تقدِيمِ خدْمَة، وشِراءِ هديَّة، والوقُوفِ بجنْبِه في اللَّحظاتِ المهمَّةِ بالنِّسْبةِ له، ولا تَشتَرِطْ على الطَّرَفِ الآخرِ أن يُبادِلَك نفْسَ الاهْتِمام، بل أُبْذُلْ له أنت اهتِمامَك، وسَيَعودُ عليك ذلك بِشكلٍ إيجابي.

المفتاحُ الرابع: الثَّناءُ والتَّحفِيز:

لقد خَلَقَ اللهُ الإنسانَ وجَعلَه مُتطَلِّعًا إلى بعضِ الحاجِياتِ النَّفسيَّة، ومن أكثرِ تلك الحاجِياتِ النَّفسيَّةِ إلْحاحًا وتَأثِيرا، الشُّعورُ بالتَّقدير، وسَماعُ كلماتِ الثَّناءِ والشُّكرِ والإعْجاب، وتَلقِّي المدْحِ والتَّحفِيزِ ممَّنْ نُقدِّمُ لهم خدمةً أو نُساعِدُهم في أمرٍ ما، وهذا الأمرُ ضرورِيٌّ بين الأزْواجِ أكثرَ من غيْرِهما؛ حيثُ تَشْعرُ الزَّوجَةُ بالسَّعادةِ والنَّشاطِ كُلَّما تَلقَّتْ دعْمًا وتَشْجيعًا ومدْحًا من زَوْجِها، ويَشعُرُ الزوْجُ كذلك بالأهمِّيَّةِ والرِّضا كُلَّما سَمِعَ من زوْجَتِه عِباراتِ الإعْجابِ والثَّناء، ويَدفَعُهما ذلك إلى العَطاءِ أكْثَر، والشُّعورِ بالحُبِّ والتَّقديرِ المتَبادَل.

المفتاحُ الخامس: الإفْصاحُ عن المشارِعِ السَّلبِيَّة:

هذه نقط أذكر بها مرارا وتكرارا، وأحذر الأزواج من خطورتها، وهي كبت الأحاسيس وكتم المشاعر، وترك الانطباعات السلبية حبيسة الصدور، مع العلم أنها في هذه الحالة تتفاقم وتتضخم أكثر، حتى تنفجر في لحظة غضب عابرة، لتتحول إلى بركان هائج؛ وكثير ما نسمع في مجتمعاتنا عن وقوع الطلاق بين زوجين، دام زواجهما عشرين سنة أو أكثر، ولم يسبق لهما أن وقعا في مشاكل كبيرة وخصومات شديدة، فكيف وصلا في الأخير إلى حالة الطلاق؟ السبب هو أن أحد الزوجين كان ينزعج من تصرفات الطرف الآخر، ولا يفصح له عن ذلك ولا يصارحه به، وظل يكتم هذا الأمر في نفسه، وهو يكبر ويتحول إلى كره وعداء، أفضى في الأخير إلى الطلاق والانفصال.

يعتقد الكثيرون بأن عدم الإفصاح عن المشاعر السلبية يساعد في الحفاظ على الاستقرار الأسري، ولكن الواقع خلاف ذلك، والذي ينصح به الخبراء هو أن يفص الزوجان لبعضهما عن مشاعرهما وانطباعاتهما السلبية، ويحدثا بعضهما بوقار ومودة، ويفرغا الشحنات السلبية عن طريق الفضفضة والتعبير؛ فسيساعدهما ذلك على التفاهم أكر، وتجنب ما يزعج كلا منهما، ويضمنان استمرار العلاقة الطيبة بينهما.

المفتاحُ السَّادس: عدمُ الإِكثارِ من الشَّكوَى والانْتِقاد:

هل تَعرِفونَ لماذا يُفضِّلُ الكثيرُ من الرِّجالِ الجُلوسَ في المقْهَى مع الأصْدِقاء، أو الدَّرْدَشَةِ عبرَ تَطبِيقاتِ التَّواصُلِ الاجتِماعِي، وتَفْضِيلَ الكثيرِ من النِّساءِ الحديثَ مع صدِيقاتِها، والتَّواصُلِ مع أشخاصٍ في العالَمِ الافْتِراضِي؟ الجوابُ هو أنَّهم لا يَسمَعُونَ هُناك شَكاوَى وانتِقادات، ولا يَتلقَّوْنَ كَلِماتٍ مُحبِّطَةً وجارِحَة، بل يَسمَعونَ أشياءَ إِيجابِيَّة، وعِباراتٍ مُفرِحةً ومُضْحِكة، لذلك تَجِدُ الزَّوْجَ يَكرَهُ الدُّخولَ إلى البيْت؛ لأن زوجَتَه ستَتَلقَّاه بالكثيرِ من الشَّكاوَى والانْتِقادات، وتَكْرَهُ الزوجةُ الجُلوسَ مع زوْجِها؛ لأنها ستَسْمعُ منه ما يَجْرَحُها ويُصِيبُها بالحُزْنِ والإحْباط.

وأَطلُبُ من القارِئِ الكريم، كما أَفْعلُ مع مَن يَأتِي إليَّ في مرْكزِ “زلفى”، بأن يُعوِّدَ لِسانَه على قوْلِ الأشياءِ الإِيجابِيَّة، واجْتِنابِ الشَّكوَى والتَّذَمُّر، والابتِعادِ عن الانْتِقادِ اللَّاذِعِ والكلامِ الجارِح.

المفتاحُ السابع: الاهتِمامُ بالعلاقَةِ الحَمِيمِيَّة:

مع مُرورِ الوقْت، يَبْدأُ الزَّوجاِن في إِهْمالِ العَلاقَةِ الحَميميَّة، واعْتِبارِها شَيئًا ثانَوِيًّا في حياتِهما الزَّوجِيَّة، وهذه فِكرةٌ خاطِئَة، تُسبِّبُ الكثيرَ من المشاكلِ النَّفسيَّةِ والعاطفِيَّة، وتُؤدِّي إلى البُرودِ والفُتورِ في الحُبِّ بين الزوجَيْن، ومن هنا نَنْصَحُكم بالاهْتِمام بِعلاقَتِكما الحَميميَّة، وإِضْفاءِ الدِّفْءِ والمودَّةِ عليْها، وتَبادُلِ بعضِ الأحاديثِ الشاعِريَّةِ أثْناءَها، فليْسَ هذا وَقْتا مُناسِبا للحَياء، ولقد اعتَبَرَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ المعاشَرَةَ بين الزوجيْن من أنْواعِ الصَّدقات، في قولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلام: “وفِي بُضْعِ أَحَدِكم صَدَقَة”.

المفْتاحُ الثامِن: تَجنُّبُ الحَساسِيَّةِ الزائِدَة:

لا يُعقلُ إقامَةُ زواجٍ ناجِحٍ وحَياةٍ سعيدَةٍ في ظِلِّ وُجودِ حساسِيَّةٍ ونُفورٍ بين الزَّوجيْن؛ لأنَّ الحياةَ تَتحوَّلُ إلى سِجْنٍ وعَذاب، ما دامَ هُناكَ حَساسِيَّةٌ بين الزَّوجيْن، فَحَساسيَّةُ الزَّوجَةِ من ثِيابِ زَوجِها وأكْلِه وجِسْمِه، ونُفُورَها من الاقْتِرابِ منه، وَحساسِيَّةُ الزَّوْجِ من كلامِ زَوْجتِه وطِباعِها ولِباسِها، سيُؤدِّي بلا شَكٍّ إلى تَدْميرِ الزَّواجِ وإنْهاءِ علاقَتِهما.

لذلك نقَولُ بأنَّ التَّقبُّلَ أمرٌ ضرُورِيٌّ لنَجاحِ العَلاقَةِ الزَّوجيَّة؛ فما دُمْتَ قَد اخْتَرْتَ هذه المرأَةَ لتكونُ رَفيقَةَ درْبِك، ومَا دُمْتِ قد اخْترْتِ هذا الزَّوْجَ ليَكونَ شَريكَ حَياتِك، فيَجِبُ عليْكُما أن تَتقبَّلا بَعضَكُما، وأن تُقْنِعا أنْفُسَكُما بِضَرُورَةِ احْتِواءِ الآخَرِ واعْتِبَارِه جُزاءً مِنك بِكُلِّ ما فيه من إِيجابِياتٍ وسَلْبِيَّات.

المفْتاحُ التاسع: الابْتِعادُ عن الإدْمان:

تَرِدُ عليْنا في مَركَزِ “زُلْفَى” للاسْتِشاراتِ الأسرية والاجتماعيَّة، الكثيرُ من الحالاتِ التي تُواجِه مَشاكِلَ بِسبَبِ إدْمانِ الطَّرَفِ الآخرِ في العَلاقَةِ الزَّوجيَّة، وغَالِبا ما تَشْتَكِي الزَّوجاتُ إدْمانَ أزْواجِهنَّ تَعاطِيَ الخُمور، أو اللَّهْوَ بألْعابِ الفِيدِيُو، كما قد يَشْتَكِي بعضُ الرِّجالِ من إِدْمانِ زوْجاتِهِنَّ على مَواقِعِ التَّواصُلِ الاجتِماعي، ومُشاهَدَةَ فيدْيُوهاتِ المشاهيرِ والمُمَثِّلين، وتُؤدِّي مثلُ هذه المشاكلِ إلى إهْمالِ الطَّرفِ الآخَر، والتَّقصِيرِ في حَقِّه، وعَدَمِ قِيامِ الشَّخصِ المدْمِنِ بِواجِبِه تُجاهَ أسْرَتِه وشَريكِه في الحياة، وتُؤدِّي في بعضِ الحلاتِ إلى الطلاق، أو عيْشِ حياةٍ بئيسةٍ مَليئَةٍ بالمشاكلِ والصُّعُوبات.

المفتاحُ العاشر: التَّسامُح:

جَعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ العلاقَةَ بين الزوجَينِ قائِمةً على المودَّةِ والرَّحمَة، ومِن لوازِمِ هذه الرَّحمةِ التَّسامُحُ والعَفْو، والتَّجاوُزُ عن الكثيرِ من الأخْطاءِ والهَفَوات، التي قد يَقَعُ فيها كِلَا الطَّرفيْن، ولا يُمكنُ أن نَبْنيَ بيْتًا سعيدًا وأسرةً مُنسجِمَةً إذا كان أحدُ الزَّوجيْنِ سيَجْعلُ من نَفسِه قاضِيا يُراقِبُ ويُحاكِمُ شَريكَ الحياةِ على كلِّ صَغيرةً وكَبيرَة، ويُحاسِبُه على كلِّ هَفْوَةٍ أو تَقْصير، إنه بذلك سيُصْدِرُ حُكمًا بالقَضاءِ على السَّعادَةِ الزَّوجِيَّة، وأمْرا بالتَّعاسَةِ الدَّائِمة.

فعلى الزَّوجيْنِ أن يَتراحَما ويَتَسامَحا، ويَغُضَّا الطَّرْفَ عن كثيرٍ من الأمور، وليسَ الذَّكِيُّ من يَنتَبِه لكلِّ خطأٍ مهما كان صغيرا، بل الذَّكيُّ هو الذي يَتغَافَلُ عن الأخطاءِ الظاهِرة، ما دامَ يَعلمُ بأنَّها لن تُؤثِّرَ على سلامَةِ واستِقرارِ الحياةِ الزَّوجيَّة.

تَتَوَلَّدُ مُعظَمُ المْشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ مِن اِعْتِقَادٍ خَاطِئٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَوَقُّعُ الزَّوْجِ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ مُطَابِقَةً لَهُ فِي أَفْكَارِهِ وَتَوْجهاتِه، ومُشابِهَةً له في اهْتِماماتِه وتَطَلُّعاتِه، ونُسْخةً عنه في طَريقةِ تَفْكيرِه وأُسْلُوبِ حِوارِه، ولكِنَّ هذا الأَمْرَ من سَابِعِ المُسْتحيلات، حتَّى وإن حَاوَلَتِ الزّوْجةُ مُسَايَرتَه قليلا، إلا أنها سَتَعْجَزُ عن تَطْويعِ طِباعِها التي فُطِرَتْ عليها، لِتَكونَ مُوافِقَةً لِطِباعِ زَوجِها ومُيُولاتِه، وهنا تَبْدَأُ الخِلافاتُ وتَحْدُثُ النِّزاعَات، وتُحِسُّ الزّوجَةُ بِضَغْطٍ كَبيرٍ، وتَأْنيبِ الضَّميرِ لِأنّها لا تَسْتطيعُ أنْ تَكونَ كما يُريدُ زوجُها، ويَرى الزّوجُ بأَنَّ اخْتِيارَه لَمْ يَكُنْ مُوَفَّقا، وأنَّ هذه المَرْأةَ لَيْستْ ما كان يَتَمنَّاه، وتَدْخُلُ الحَياةُ الزّوجِيَّةُ في نَفَقٍ مُظْلِمٍ بَئِيس.

ونَظرًا لِخُطورَةِ هذا الاِعْتِقادِ، وانْتِشارِه في أوْساطٍ كثيرةٍ، وتَسَبُّبِه في مشاكِلَ نحن في غِنًى عنها، رأيتُ أنَّه من الضّروريِّ الْحديثُ عن سَبْعِ لاَءَاتٍ سَتُحَقِّقُ السّعادَةَ الزّوجِيَّةَ والِاستِقْرارَ الأُسَرِي، فاسْتمِعْ إليها أيّها الزوجُ الكريمُ، وتَجَنَّبْ الوُقوعَ فيها.

لا تَنتَظِرْ من زوْجتِك أنْ تَكونَ مِثْلَكَ في نَمَطِ تَفْكيرِكَ وأَذْواقِكَ، وأُسْلُوبِ كَلامِكَ ونَظْرَتِكَ لِلأُمورِ؛ فهي امرأَةٌ لها خَصائِصُها ومُمَيِّزاتُها، وأنتَ رَجُلٌ لك شَخْصِيَتُكَ ودَوْرُكَ في الحَياةِ، وقدْ خَلَقَكُما الله تعالى بهذه الفُرُوقِ والِاخْتِلافاتِ لِتَكْميلِ بَعضِكُما، وخَلْقِ تَنَاغُمٍ في الحياةِ وتَنَوُّعٍ في البيْتِ والأُسْرةِ، فَتَقْبَلا بَعضَكُما، واحْتَرِما اختِلافَ بَعْضِكُما بِاعْتِبارِه قانوناً فِطْرِيًّا.

لا تَسْتَهِنْ بِشَكْوى زوجتِكَ وهُمُومِها، ولا تَسْتَخِفَّ بآلامِها وأحْزانِها، حتّى وإن بَدَتْ لك أُمُوراً يَسيرَةً وأَحْداثاً عَابِرَةً لا تَسْتحِقُّ الِاهْتِمام، ولا تُحاوِلْ إعْطاءَها حُلُولاً واقْتِراحَاتٍ لِتَتَجاوَزَ ما هي فيه، بَلْ كُلُّ ما تُريدُه مِنك هو الدَّعْمُ والتَّأْيِيِد، وإِظْهارُ التَّعاطُفِ والحُبِّ والمَوَدَّةِ.

لا تَبْخلْ على زوجتِكَ بِتَخْصيصِ بَعضِ الوَقتِ لِلْجُلوسِ معها ومُشارَكَتِها أَطْرافَ الحَديثِ، ولا تُقَتِّرْ في نَفَقَتِكَ عليها، ولا تَدَّخِرْ أيَّ جُهْدٍ في إِسْعادِها والاهْتِمامِ بها، فَأَغْلَبُ الزّوجاتِ التي تَزُورُنا في مَرْكزِ “زُلْفى” لِلِاسْتِشاراتِ الأُسَرِيَّة، تَشْتكي بُخْلَ أزواجِهِنَّ، وتَقْصيرهم في حُقوقِهِنَّ والِاعْتِناءِ بِهنَّ، واعْلَمْ بِأَنَّ أَكثَرَ ما تَكَرَهُهُ المرأَةُ في الرَّجُلِ هو البُخْلِ، وقد يَدفعُها ذلك إلى البحثِ عن طَرَفٍ آخرَ تَجِدُ عنده ضَالَّتَها.

لا تَنْزَعِجْ من زِيَارتِها لِأهْلِها، وتَواصُلِها معهم، ورَغْبَتِها في مَجيئِهِم عندها لِلْبيتِ، وتَطَلُّعِها لِشراءِ شيءٍ لِوالِدتِها أو إخْوتِها؛ فَهُمْ أَهْلُها الذين عاشتْ معهم فَتْرَةً مُهِمَّةً من حياتِها، وقد أُشْرِبَتْ حُبَّهم والتَّعَلُّقَ بهم، وأَمَرَها اللهُ بِبِرِّهِم وصِلَتِهم، فلا يَحِقُّ لك منْعُها من هذا الأَمرِ، ولا تُظْهِرْ لها عَدَمَ رِضاكَ بِالأمرِ، وكُلُّ ما يُمْكِنُكَ فِعْلُه، هو تَنْظيمُ هذه الزِّيَّاراتِ والهَدايا والمُكالمَات، حتّى تَكُونَ مَعْقولَةً ومقْبولةً.

لا تُصارِحْ زوجَتَكَ بِعُيُوبِها، ولا تَنْتَقِدْها بشَكْل مُباشِر، ولا تَسْتَعمِلْ عِباراتٍ حادَّةً في مُكَاشَفَتِها بِرأْيِكَ حَوْل ما يَتَعلَّق بها أو بأَهْلها؛ فالمرأةُ ليست كالرَّجُلِ؛ فهي مُرْهَفةُ الأَحاسِيسِ سريعةُ التَّأثُّر، شديدَةُ الحَسَاسيَّةِ تُجاهَ ما يَمُسُّ شخْصيَّتها، ويَنتَقِدُ ما تُحبُّه وتَتَعلَّقُ به، فإن كان من الضَّرُوريِّ تَنْبيهُها إلى خطأٍ ما، فَاحْرِصْ على انْتِقاءِ عِباراتٍ مُنَمَّقةٍ ومُهَذَّبة، واستَعْمِل أُسلوبا لطيفا تَتَخَلَّلُه عِباراتُ الثَّناءِ، وكَلماتُ المُجامَلةِ والتّحَبُّبِ.

لا تَخُنْ زوجتَكَ، ولا تُحاوِلْ رَبْطَ علاقاتٍ بِنِساءٍ أُخْرَياتٍ غيرَها، ولا تُظْهِرْ إِعْجابَكَ بِجَمالِ امرأةٍ أُخرَى في حَضْرتِها، فإنَّ ذلك سيَجعلُ زوجتَكَ تَفْقِد ثِقَتَها بكَ، وتَنظُرُ إليك نَظْرةَ شكٍّ وارْتِيابٍ، ولن تَستطِيعَا بِناءَ بيْتٍ سعيدٍ في ظِلِّ انعِدامِ الثِّقةِ، وإنْ كنتَ تُحِسُّ بِتقصيرٍ منها في جانبِ أنوثَتِها واهْتِمامِها بِمَظهرِها، فَحَاوِلْ الحديثَ معها في هذا الموضوعِ بِشكْلٍ وِدِّي، وخَوْضَ نِقاشٍ بَنَّاءٍ لِعلاجِ هذا القُصورِ، ولا تَبحثْ عن بَديلٍ لها في أَحْضانِ الحَرامِ والزِّنا.

لا تَحتقِرْ أفكارَها وآراءَها، ولا تَسْتخِفْ بِقراراتِها ومَشُورَتِها، ولا تَنظُرْ إليها على أنَّها ساذَجَةٌ أو غَبيَّةٌ، بَلْ قَدِّرْ أفكارَها، واهْتَمَّ بما تقولُه، وأَعِرْها انْتِباهَك بينما تَتَحدَّث، واطْلُبْ آراءَها في أمورٍ تَخُصُّكَ، حتى وإن كانت مُتعلِّقةً بعملكَ ومَشاوِرِكَ خارجَ البيت، فَمِثْلُ هذه التّصرُّفاتِ البَسيطةِ، سَتُوَطِّدُ المودَّةّ بينكما أكثر، وتَجعَلُكُما أكثرَ انْسِجاما وتَفاهُماً.

هذه إذاً سَبْعُ لاَءَاتٍ ومَنْهِياتٍ يجبُ عليك أيها الزوجُ الكريمُ اجْتِنابَها وعَدمَ الوُقوعِ فيها؛ لأنها سَتُفسدُ عليك جَوَّ الهُدوءِ والمودَّةِ الزَّوجيَّةِ، فحاوِلْ أن تُقْنِعْ نَفْسَكَ بأنْ تبتَعِدَ عنها، وأن تَتْرُكَ الأُمورَ تأخُذُ مَجْراها، وليس من الضَّروريِّ مُحاولةُ تَغْيِيِرِ المُحيطينَ بنا لِنَكونَ سُعَداءَ، بل يَكْفي أنْ نغَيِّر قناعاتِنا وتَصَوُّراتنا، وسَنكُونُ بذلك أكْثرَ سعادَةً واطْمِئْنانا.

يُعْتبَرُ الْكَذِبُ من أخْطَرِ الآفَاتِ التي يُمكِنُ أنْ يُصابَ بها الأَطْفالُ وتُصاحِبُهُم عَلى مدَى حَياتِهم، وعلى الرَّغْمِ من اتِّفاقِ الجَميعِ على كَوْنِ الكَذِبِ سُلوكاً غيرَ أخْلاقِي، إلاَّ أنَّ أُسْلوبَ الأُسَرِ في التَّعامُلِ مع الْكَذِب عندَ الأَطْفالِ، يَخْتلِفُ باخْتِلافِ مَعرِفَتِهِم بهذهِ الآفَةِ وَوَعْيِهِم بِجُذورِها النَّفْسِية، ولذلكَ ارْتَأَيْتُ أن أُناقِشَ مَعَكُم في هذا المَقَالِ مَفهُومَ الْكَذِبِ وأنْواعَهِ، وأن نَتَبَيَّنَ الأَسْبابَ والدَّوافِعَ التي تَحْمِلُ الأَطْفالَ على الْكَذِبِ، ونَخْتِمُ بالحَديثِ عن سُبُلِ عِلاجِ هذه الآفَةِ الْخَطيرَةِ.

أولا: مفْهُومُ الكَذِبِ وأنواعُه:

الكَذِبُ كما هو مَعلُومٌ، قَوْلُ شيءٍ يُخالفُ الوَاقِعَ، سَواءٌ كان ذلكَ بِإِثْباتِ ما ليس ثَابِتًا، أو بِنَفْيِ ما هو ثَابِتٌ، وعلى الأَوْلِياءُ الاِنْتِباهُ لهذه الآفَةِ الأَخْلاقِيةِ قبل تَفاقُمِهَا وتحَوُّلِها إلى عادةٍ راسِخَةٍ، وقد حَذَّرَنا الرَّسُولُ الكَريمُ من خُطورَةِ الْكَذِبِ وسُوءِ عاقِبَتِهِ في أحادِيثَ كَثِيرَة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: “وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتى يُكْتَبَ عندَ اللهِ كَذَّاباً”، فكِذْبَةٌ بعدَ أُخرى، ومَرَّةً تِلْوَ مرَّة، حتى يَطْبَعَ اللهُ على قَلْبِ الكاذِبِ، ويَجْعَلَ الكَذِبَ شِيمَةً مُلازِمَةً له.

والْكَذِبُ في حَدِّ ذاتِهِ أَنْواعٌ مُتَعَدِّدَةٌ، نُبَيِّنُها ونُعَرِّفُها فيما يلي:

  1. الكَذِبُ الخَيالِيُّ: حيثُ يَخْتَلِقُ الطِّفْلُ قِصَصا وحِكاياتٍ مِن وحْيِ خَيَالِهِ، ويَدَّعِي أنَّهُ رأى وُحُوشاً مُخيفَةً أو كائِناتٍ غَرِيبَةً، أو أنَّهُ حَلَّقَ في الأَجْواءِ وكَلَّمَ الْحَيَواناتِ وما شَابَهَ، وهذا النَّوْعُ مِن الكَذِبِ نابِعٌ مِن سِعَةِ خَيالِ الطِّفْلِ وخُصُوبَتِهِ.
  2. الكَذِبُ الالْتِباسِي: وَيَلْجَأُ الطِّفْلُ إلى هذا النَّوْعِ من الكَذِبِ عندَما يَخْتَلِطُ عليه مَوْضُوعَانِ أو مَوْقِفَانِ، فَيَبْدَأُ في الْخَلْطِ بين الأُمورِ، ويَقُولُ كَلاَماً غيرَ صَحِيح.
  3. الْكَذِبُ الادِّعَائِي: وهو أن يَدَّعِي الطِّفْلُ امْتِلاكَ شيءٍ يَعُودُ لِغَيْرِه؛ حَيْثُ يَدَّعِي أن هذه اللُّعْبَة أو القَلم مِلْكُهُ، وهي في الْحَقيقَةِ مِلْكُ طِفْلٍ آخَر.
  4. الكَذِبُ النَّفْعِي: وهو ذلكَ النَّوْعُ من الْكَذِبِ الَّذِي يَلْجَأُ إليه الطِّفْلُ لِتَحْقِيقِ مَنْفَعَةٍ خَاصَّةٍ، ونَيْلِ مَصْلَحَتِهِ التي لم يتمَكَّنْ من الوُصولِ إليها، كأَنْ يَرْغَبَ في اللَّعِبِ، فَيَدَّعِي أنَّهُ أَنْهَى واجِباتِهِ المَدْرَسِية، لِتَسْمَحَ له وَالِدَتَهُ بِاللَّهْوِ واللَّعِبِ، في حينِ أنَّهُ لم يُنْجِزْها بَعْدُ.
  5. الْكَذِبُ الإنْتِقَامي: وهو نَوْعٌ خَطِيرٌ منَ الْكَذِبِ، حيثُ يَلْجَأُ الطِّفْلُ إليه لِلانْتِقامِ من شَخْصٍ أَسَاءَ إليه، مُدَّعِيا أنَّ ذلك الشَّخْصَ ضَرَبَهُ أو سَبَّهُ، من أجْلِ أنْ يَتَعَرَّضَ ذلِكَ الشَّخْصُ للْعِقَابِ، ويَشْعُرُ براحَةٍ دَاخِلِيَّةٍ لِكَونِهِ قدِ انْتَقَمَ مِمَّنْ أساءَ إليه.
  6. الكَذِبُ المُزْمِنُ: وهذا أَسْوَءُ أنواعِ الْكَذِبِ؛ لأَنَّ الطِّفْلَ لا يَكْذِبُ في هذه الحَالَةِ منْ أَجْلِ هدَفٍ مُحَدَّد، بل لأَنَّهُ لمْ يَعْتَدْ قَولَ الحَقِيقَةِ فَقَطْ، ولا تُطاوِعُهُ لِقَولِ الحَقِيقَةِ، بل يَجِدُ لِسانَهُ أَطْوَعَ بِاخْتِلاقِ الْكَذِبِ وتَزْيِيفِ الوَقَائِعِ، وهذا نَوْعٌ مَرَضِيٌّ يَتَطَلَّبُ تَدَخُّلَ مُخْتَصٍّ لِمُسَاعَدَةِ الطِّفْلِ عَلَى التَّعَافِي.

ثانيا: دَوَافِعُ الْكَذِبِ وأَسْبَابُه:

بَلَغَ بِنا الْحَدِيثُ الآن إلى نُقْطَةٍ أُخْرَى في غَايَةِ الأَهَمِّيةِ، وهي المُتَعَلِّقَةُ بأَسْبابِ الْكَذِبِ لدَى الأَطْفالِ؛ فَالطِّفْلُ يَخْرُجُ إلى هذهِ الْحَيَاةِ صَفْحةً بَيْضَاء، فمِن أيْنَ تَتَسَرَّبُ إليهِ هذه الآفَةُ الخُلُقِيةُ السَّيِّئَةُ؟ وسَنُرَكِّزُ فِيمَا يلِي على أرْبَعَةِ أَسْبَاب، وهي:

  • التَّقْلِيدُ والمُحَاكَاة: يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ المَصْدَرَ الأَوَّلَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الأَطْفَالُ سُلُوكَهُم ويَسْتَوْرِدُونَ مِنْهُ طِباعُهُم هُم الوالِدَانِ والمُرَبُّونَ، والمُحِيطُ الْقَرِيبُ الذِي يُخالِطُهُ الطِّفْلُ بِاسْتِمْرَار، فَإِذا رَأَى الطِّفْلُ أَنَّ مَنْ حَوْلَهُ يَكْذِبُونَ ولَا يَقُولُونَ الْحَقِيقَةَ، فَإِنَّهُ سَيَبْدَأُ في تَقْلِيدِهِم، والاِسْتِفَادَةِ بدَوْرِهِ من المَنَافَعِ العَاجِلَةِ وَالسَّهْلَةِ الَّتِي يُحَقِّقُهَا الْكَذِبُ، ونُلاحِظُ لِلْأَسَف، أنَّ الأَبَوَيْنِ والأُسْرَةَ بِشَكْلٍ عَام، تَسْتَعْمِلُ الكَذِبَ مع الأَطْفالِ في مُناسَبَاتٍ كَثِيرَةٍ، فقَدْ تَقُولُ الأُمُّ لِلطِّفْلِ مَثَلا: اذْهَبْ عِنْدَ والِدِكَ لِيًعْطِيكَ الْحَلْوَى، وهي تَعْلَمُ بأَنَّ أَباهُ لَنْ يُعْطِيهِ شَيْئا، وإنَّمَا تُريدُ أن تَتَخَلَّصَ من إزْعَاجِهِ بَعْضَ الوَقْتِ، وبذلِكَ تكُونُ قدْ أَعْطَتْهُ دَرْساً في الْكَذِبِ.
  • الشُّعُورُ بالنَّقْصِ: من المُلاَحَظِ أنَّ حدِيثَ الأَطْفالِ مع بَعْضِهِم يَتَمَحْوَرُ في الغَالِبِ حوْلَ التَّفَاخُرِ والتَّبَاهِي بِالبَيْتِ أو السَّيَّارَةِ أو الهَاتِفِ أو ما شَابَه، وعِنْدَمَا يَشْعُرُ أحَدُ الأَطْفالِ بأنهُ لا يَمْلِكُ ما يَتَبَاهَا به على أصْدِقَائِه، يَبْدَأُ في الكَذِبِ، ويَدَّعِي بأنَّ والِدَهُ يَمْتَلِكُ سَيَّارَةً فَاخِرَةً، أو أنَّ لَدَيْهِ هاتِفاً باهِظَ الثَّمَنِ في المَنْزِلِ، أو أنَّهُ يذْهَبُ إلى مدينَةِ الأَلْعابِ كلَّ أُسْبُوعٍ، وذلِكَ بِسَبَبِ النَّقْصِ الَّذِي يُحِسُّ بهِ في داخِلِهِ، وَيَخَافُ من أنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ الآخَرُونَ نَظْرَةَ ازْدِرَاءٍ أو مَا شَابَهَ.
  • الْهُرُوبُ من العِقَابِ الْقَاسِي: إذا كانَ العِقَابُ القَاسِي يَدْفَعُ بالْكِبَارِ والرِّجَالِ الأَشِدَّاءِ إلَى الْكَذِبِ، فمنَ الْبَدِيهِيِّ أنْ يَضْطَرَّ الأَطْفالُ لِلْكَذِبِ هُرُوباً منَ الْعِقَابِ القَاسِي والمُؤْلِمِ، ومِنْ هُنَا يَكُونُ للآباءِ والمُدَرِّسِينَ دَوْرٌ كَبِيرٌ في دَفْعِ الأَطْفالِ إلى الْكَذِبِ، بِسَبَبِ سُوءِ طَرِيقَتِهِم في التَّرْبِيَّةِ، واعْتمَادِهِمْ على العِقَابِ الْبَدَنِي المُؤْلمِ أو الكَلَامِ الجَارِحِ.
  • عَدَمُ التَّفْرِيقِ بين الْوَاقِعِ والْخَيَالِ: السَّبَبُ الرَّابِعُ هو أنَّ بَعْضَ الأَطْفالِ لا يَسْتَطيعُ التَّفْريقَ بينَ ما هُوَ خَيَالٌ من إِنْتاجِ عُقولِهِم وأوْهَامِهِم وما هو وَاقِعِي، وبِسَبَبِ هذا الْخَلْطِ بينَ الخَيالِ والْوَاقِعِ، يُخْبِرُنا الطِّفْلُ بِأَشْياءَ مِن وَحْيِ خَيَالِهِ لا صِلَةَ لها بالوَاقِعِ.

ثالثا: عِلَاجُ آفَةِ الكَذِبِ عندَ الأَطْفالِ:

كَمَا نَقُولُ دَائِما: إذَا عَرَفْنَا أَسْبَابَ أيِّ آفَةٍ نَكُونُ قَدْ عَرَفْنَا جُزءًا من عِلَاجِهَا والتَّعَامُلِ مَعهَا، وذلكَ بالْعَمَلِ على مُحارَبَةِ الدَّوَافِعِ والأَسْبابِ التي تَجُرُّ الأَطْفَالَ إلى الْكَذِبِ، وتَدْفَعُهُم إلى اخْتِلَاقِهِ والاِعْتِمادِ عليْهِ في حَيَاتِهِم، وبِنَاءً على ذَلِكَ، فإنَّ أوَّلَ نَصِيحَةٍ نُوَجِّهُهَا لِأَوْلِياءِ الأُمُورِ: هي أنْ يَكُونُوا قُدْوَةً حَسَنَةً لأَبْنائِهِمْ، وأَنْ يَجْتَنِبُوا الْكذِبَ في حَيَاتِهِم بِشَكْلٍ عَامٍ، وأَنْ يَقُولُوا الصِّدْقَ مهْمَا كَلَّفَهُمُ الأَمْرُ، وبِذَلِكَ يَتَعَلَّمُ منهُمْ أَطْفالُهُم مَبْدَأَ الصِّدْقِ وَالتَّعَامُلَ بِهِ.

وَنُضِيفُ لَهُمْ نَصِيحَةً أُخْرَى في غَايَةِ الأَهَمِّيَةِ، وهي إِشْبَاعُ رَغَبَاتِ الأَطْفَالِ، وَتَحْقِيقُ ما يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ لَهُم من أُمْنِياتٍ، دُونَ إِفْراطٍ ولَا تَفْرِيطٍ، وَتَعْلِيمُهُمْ بأَنَّ القَنَاعَةَ كَنْزٌ، وأنَّنَا في هذه الحَيَاةِ لَا نَسْتَطِيعُ تَحْقِيقَ كُلِّ مُتَطَلَّباتِنَا، فَلْنَرْضَ بِمَا يَسَّرَ اللهُ لَنَا، وَنَدْعُوهُ لِيَرْزُقَنَا مَا نُرِيدُ.

كَمَا أَنْصَحُكُم أَيُّهَا الأَحِبَّةُ بِاجْتِنَابِ الْعِقَابِ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ، وَخَاصَّةً الْعِقَابَ الْجَسَدِيَّ والنَّفْسِيَّ الْقَاسِي؛ لِأًنَّهُ يُؤَدِّي إلى أَضْرَارٍ خُلُقِيَّةٍ وَنَفْسِيةٍ مَعَ مُرُورِ الْوَقْتِ، وَيَضْطَرُّ الأَطْفَالُ إلى تَعَلُّمِ سُلُوكَاتٍ سَيِّئَةٍ، نَاهِيكَ عَنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ اللَّطْمِ وَالضَّرْبِ الذِي يُخَلِّفُ آثَاراً وعَلامَاتٍ جسَدِيَّةٍ، وَيُمْكِنُ أنْ نُضِيفَ إِلَيْهَا الْعِقَابَ الذِي يُخَلِّفُ آثَاراً نَفْسِيةً.

وَلَا نَنْسَى التَّذْكِيرَ بِأَهَمِّيَةِ عَدَمِ الضَّغْطِ على الأَطْفَالِ، وتَحْمِيلِهِم فَوْقَ طَاقَتِهِم وإمْكَانَاتِهِم؛ لأَنَّ ذَلِكَ سَيَضْطَرُّهُمْ إِلَى اخْتِلَاقِ الأَكَاذِيبِ لِتَخْفِيفِ الْعِبْءِ الذِي نُلْقِيهِ عَلَى كَاهِلِهِمْ.

وبِمِثْلِ هَذِه الخُطُوَاتِ التَّرْبَوِيَةِ الْعَمَلِّيَةِ، يُمْكِنُكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ الرَّائِعُونَ، تَجْنِيبُ أَبْنَائِكُمْ من الْوُقُوعِ في الْكَذِبِ، وَمُعَالَجَتُهمْ مِنْهُ إِذَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ بَوَادِرُه.

الخَطَأُ الذي يَقَعُ فيه الكَثيرُ مِن الْمُقْبِلينَ على الزَّواجِ، أنَّهُم يَنْشغِلُونَ بِالتَّجْهِيزِ لِلْحَفْلِ، واقْتِنَاءِ الأَثاَثِ والثِّيَابِ، وتَحْدِيدِ مَوْعِدِ الزَّوَاجِ والمَدْعُوِينَ، ولَكِنَّ هذه الُأمُورُ كُلُها لَن تَنْفَعَ بَعْدَ الزَّوَاجِ، ولَنْ تُسَاعِدَ الزَّوْجَيْنِ على عَيْشِ حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ ومُتَوَازِنَةٍ، وَلَوْ أنَّهُما خَصَّصَا وقْتًا قَبْلَ الزَّواجِ لِتَحْديدِ نِقَاطِ الِاتِّفَاِق بَيْنَهما، وَتَوْضيحِ مجْمُوعَةٍ مِنَ الأُمُورِ المْتُعَلِّقِةِ بِشَخْصِيَتِهِمَا وقَراَراتِهِما وَرَغَباتِهِما بَعْدَ الزَّوَاجِ؛ لاَسْتَطاعَا تَجَاوُزَ الكَثِيرَ مِنَ الخِلاَفاتِ، وَالْقضَاء على الْعديدِ مِنْ أسْبَابِ المْشَاكِلِ الزَّوْجِيَّة، وسَنُحَدِّدُ لَكُمْ في هذه الْخُلَاصَةِ بَعْضَ النِّقَاطِ التي يَنْبَغِي الِاتِّفَاقُ عليْها قَبْلَ الزَّواجِ.

أولا: الِاتِّفاقُ على تَحْديدِ مَكَانِ الِإقَامَةِ والْعيْشِ؛ هَلْ سَتُقِيمَانِ في بَيْتِ أَهْلِ الزَّوجِ، مَعَ وَالِدَيْهِ وَإخْوَتِه؟ أمْ هَلْ سَتُقِيمانِ في مَسْكَنٍ مُسْتَقِلٍّ؟ أحيانا يَجْعَلُ الزّوجُ زَوجتَهُ تُقِيمُ مَعهُ في بَيْتِ أهْلِهِ، ولَكِنْ وَمعَ مُرُورِ الوَقْتِ تَظْهَرُ الكَثيِرُ مِنَ المَشاكِلِ والخِلَافاتِ، وخَاصَّةَ بَيْنَ زوجتِهِ وَأُمِّه وإخْوَتِه الْبَناتِ، وتَبْدَأُ الشَّكَاوى تَرِدُ عليه مِنَ الْجانِبَيْنِ، ولَوْ أنَّهُما اتَّفَقا قَبْلَ الزَّواجِ على تَحْديدِ مَكانِ الِإقامَةِ، وخَصَّصَا جُزْءاً منْ وَقْتِهِما وَأمْوَالِهِما لِإيجَادِ مكَانٍ يُقِيمانِ فيه بِشَكْلٍ مُسْتَقِلٍّ، حتى وإنْ كان بَيْتاً صَغيراً مُتَواضِعاً، لَكان أَفْضَلَ لَهُما.

ولقد حَدَّثَني الْكَثيرُ مِنَ الرِّجَالِ، عَنْ أنَّ حَياتَهُم الزَّوجَّيِةَ اخْتلفَتْ بَعْدَ انْتِقالِهِمْ إلى مَسْكَنٍ مُسْتَقِلٍّ، وكأنَّ زوْجَتَه أصْبَحتْ امرأَةً أُخْرى، وهذا طَبِيعِيٌّ جدّاً؛ حَيْثُ أنَّ المرْأَةَ تَجِدُ حُرِّيةً أكْبَر في لِبَاسِها وكَلامِها، وما تُعِدُّهُ لِزَوجِها مِنْ وَجَباتٍ، لِذلكَ أَنْصَحُ الشَّبَابَ أنْ يَعْمَلُوا بِجِدٍّ قَبْلَ الزَّواجِ لِتَوْفيرِ بَيْتٍ مُسْتَقِلٍّ، لِعَيْشِ حياةٍ زوجيَّةٍ أكْثرَ مَوَدَّةً وتَنَاغُماً.

ثانيا: الِاتِّفاقُ على قَضِيَّةِ عَمَلِ الزَّوجةِ؛ هَلْ سَتَقْبَلُ بِأنْ تَعْمَلَ زَوجَتُكَ بَعْدَ زَواجِكُما؟ هَلْ تُوافِقُ على عَمَلِها لِمُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ، كأنْ تَعْمَلَ قَبْلَ أنْ تُرْزَقَا بِأبْنَاءٍ، ثُمَّ تَتَفَرَّغَ بَعْدَ مَجيءِ الأَوْلادِ لِلْبَيْتِ وتَرْبِيَةِ أبْنَائِها؟ الْمُهِمُّ هو الِاتِّفاقُ على نِقاطٍ مُحَدَّدَةٍ وَواضِحَةٍ، تَكُوُن بِمَثَابَةِ قَانُونٍ تَرْجِعانِ إِليْهِ عند الِاخْتِلَافِ.

ثالثا: الِاِّتِّفاقُ على الْجَوانِبِ الصِّحِّيَّةِ، والْحَديثُ بِصَراحَةٍ عن أَيِّ مَشاكِلَ عُضويَّةٍ أو نَفْسِيَّةٍ يُعَانِي منها كِلَا الطَّرَفَيْنِ؛ فَهُنَاكَ مَنْ يُخْفِي عن شَرِيكِ حِياتِه مَشاكِلَهُ الصِّحِّيَّة، وعِندَما يَكْتَشِفُها الطَّرَفُ الآخَرُ بَعْدَ الزَّواج، تَنشَأُ الْكَثيرُ مِنَ المَشاكِلِ، وَتَبْدَأُ عَلاَقَتُهُما الزَّوْجيَّةُ في التَّدَهْوُرِ، وَلَوْ أنَّهُما كَاشَفَا بَعْضَهُما بِأَيِّ مُشْكلةٍ صِحِّيَّةٍ قبلَ الزَّواجِ، لَاسْتَطاعَا تَحْدِيدَ ما إذَا كَانا سَيَقْبَلانِ بِبَعْضِهِما، أوْ سَيُنْهِيَانِ هذه العلَاقَةِ قَبْلَ الزَّواجِ، فَذلك أَفْضَلُ لَهُما وَلِأُسَرِهِما.

هذه أَهَمُّ النِّقاطِ التي يَجِبُ تَحْديدُها وتَوْضيحُها والِاتِّفاقُ علَيْها قَبلَ الزَّواجِ، وهِيَ: مَكانُ الِإقامَةِ وعَمَلُ الزَّوجَةِ والْحالَةُ الصِّحِّيَّةُ، وَيُمْكِنُ لِلْخَطِيبَيْنِ الِاتِّفاقُ على نِقاطٍ أُخْرى يَرَيانِها مُهِمَّةً بِالنِّسْبةِ لَهُما، وذلك نَظَراً لِظُرُوفِهِما وأَحْوالِهِما الخَاصَّةِ.

إنَّ مصدرَ كثيرٍ من المشاكلِ والتَّحدياتِ التي نُواجِهُها في حياتِنا، يَنبُعُ من داخلِنا، وذلك بسببِ آمالِنا الكبيرة، وتطلُّعاتِنا غيرِ المحدودة، وتوقُّعاتِنا الأسطوريَّة، وهذا نفسُه هو المصدُرُ الذي يُوَلِّدُ كثيرًا من المشاكلِ الزَّوجِية، ومن أجلِ ذلك نُوِّجهُ لكم هذه النَّصيحة: “خَفِّضُوا نِسبَةَ آمالِكم، واجعلُوا تطلُّعاتِكم من شرِيك الحياةِ واقعيَّة”.

عند إقْبالِ الشَّبابِ على الزَّواج، فإنَّ توقُّعاتِهم من شَرِيك الحياةِ تكونُ كبيرةً وغيرَ محدودَة؛ يَنتظِرُ الزَّوجُ من زَوجَتِه أن تَكون مِثاليَّةً ورائعةً من جميعِ الجَوانِب، وكذلك تَتخيَّل الزَّوجةُ بأن زوجَها سيكونُ شخصًا مِثالِيَّا، ولكنَّهما بعد الزواجِ يَشعُرانِ بصدمةٍ وانزِعاجٍ بسببِ خيبَةِ الأملِ التي تَعرَّضُوا لها، لِوَكْنِ شَريكِ الحياةِ إنسانًا عادِيًّا، وأنَّ مُعظمَ التَّوقعاتِ والتَّطلُّعاتِ لم تكن في مَحلِّها، وهنا يُحسُّ الزَّوجانِ وكأنهما أخْطَآ الاختِيار، وتَدُبُّ الخِلافاتُ والمشاكلُ بينَهما.

علينا إذًا أن نكون واقعيِّين، وأن نَترُك الأوهامَ وَراءَ ظُهورِنا ونحن نَدخُلُ عالمَ الزّواج، وأن نعلمَ بأنَّ كلَّ واحدٍ مِنَّا مُختلفٌ عن الآخر، فالرَّجُلُ يَختَلفُ عن المرأةِ في نَمَطِ تفكيرِه واهتماماتِه، وكذلك المرأة، فهي تَختَلِفُ أيضًا عن الرّجلِ من عِدَّةِ جوانِبَ نفسيةٍ وفكريةٍ وسلوكِيَّة، ومن غيرِ المنطِقيِّ توَقُّعُ وجودِ تَوافقٍ تامٍ بين شخصيْن، مهما كانت درجةُ الموَدَّةِ بينَهما.

وبعد هاتَيْن النُّقطَتَيْن: خفْضُ مُستَوى التَّطلُّعات، والاعترافُ بوُجُودِ الاختلاف، لا بُدَّ من نَتيجةٍ حتْميَّةٍ إذَا نحن أرَدنا النجاحَ في حياتِنا الزوجية، وهي تَقبُّلُ الآخر، والعيْشُ معه على أنه إنسان، ومن خصائصِ الإنسانِ أنه ناقصٌ، وتَقبُّلُ أنه مُختَلِف، كما أنك أنت أيضًا مُختَلِف، وبهذا المبدأِ تَقِلُّ نسبةُ الخلافاتِ، وتنخفِضُ حدَّةُ المشاكلِ بين الزّوجين.

إنّ تَقبُّلَك للآخرِ كما هو، وجَعْلَ تَطلُّعاتِك منه واقعيةً تَتناسَبُ مع قُدراتِه، ستجعلُه هو الآخر يَتقبَّلك كما أنت، ولا يَنتَظِرُ منك أشياءً تَفوقُ إمكاناتك، كما أن تقديرَه ومحبَّتَه لك ستزْداد، وبذلك تَختَفي الكثيرُ من الخلافاتِ بينكما، وتَعيشانِ حياةً طيِّبةً هادِئة.

ابدأ في كتابة لمعرفة المنتجات التي كنت تبحث عن.
متجر