ZULFA | زلفي

إن العلاقة الزوجية السعيدة لا تتحقق هكذا بل هي نتيجة لتفاهم بين الطرفين، بالحب والاحترام بينهما. إن الحياة الزوجية السعيدة ليست امرًا مفهومًا ، بل لا بد من تحقيقه يحتاج الى عمل ومثابرة ومتابعة. كما أن هناك تحديا يواجه هذه العلاقة وهو الخلاف بين الزوجين ، فهنا من الصعب أن يعيش زوجان دهرا من عمرهما دون أن تمر في حياتهم مشكلات وخلافات.

لذلك علينا أن نتقبل الخلافات الزوجية على أنه أمر لا مفر منه أو هو شر لا بد منه ولا يعني ذلك أن نستسلم للخلاف وألا نأبه له عند حدوثه فالخلاف شر وهو يعكر النفوس ويقتل بهجة الحياة الزوجية وعلينا أن نتجنبه بكل السبل ، ولكن ينبغي أيضا أن لكل جرح دواء وعلينا أن نحاول دائما ولا نيأس من العلاج مطلقا وفوق هذه القاعدة نستطيع أن نؤسس حياة زوجية سعيدة.

وهنا سنوضح مجموعة من الاساسيات والنصائح وأرجوا من كل زوج وزوجة اتباعها وأتمنى أن يقضيا حياة زوجية سعيدة ومستقرة وآمنة.

1. الكرم في العلاقة الزوجية: واقصد هنا بالكرم هو العاطفي والتشاور والابتسامة فعلى كل من الزوجين أن يكونا كريمين لبعضهما حتى في الحديث معا وأن لا يضلا ساكتان في أغلب الوقت بل عليهم التحدث مع بعضهم البعض وأخذ مشورة الآخر في أي حدث دع شريك حياتك يثق بأن تستشيره لكي نكون كريمين.

2. تخصيص الوقت الكافي: وهو من الاشياء المهمة في نجاح أي مجال للشخص وحتى في العلاقة الزوجية وهو ما يسمى (اليوم الأسري) على الزوج خاصة أن يراعي هذا اليوم ويجب عليه أن لا يهمل هذا اليوم أبدا

3. التوازن بين العمل والأسرة والأصدقاء: إن من أكثر المشاكل الزوجية في هذا العصر هي ضغوطات العمل والتي من خلالها ينعكس أثرها السلبي على الزوجين والابناء غالبا ، وهناك أيضا من بعض الأزواج يعطي وقته واهتماماته للعمل أكثر من أسرته ، وهنا لا بد من الجلوس مع الاسرة أكثر عن العمل والاصدقاء لأن مشاكل الأسرة ستؤثر مباشرة على العمل والأصدقاء.

4. الابتعاد عن الكآبة: وهنا على كلا من الزوجين أن يتقبلا بعضهما البعض ، وإن كاب أحد الزوجين ليس سعيد فعليه يراعي الطرف الآخر وأن لا يلقي اللوم على شريك حياته فقد يكون احيانا سبب هذه الكآبة هي من طرف غير شريك الحياة لذلك على الجميع أن يحاولوا اسعاد أنفسهم لأن هذه السعاد ستنعكس على الآخرين مباشرة.

5. تقبل الاختلافات في العلاقة الزوجية: وهنا على شريك الحياة أن يفهم بأن ليست هناك علاقة الا ويمر عليها الخلاف وايضا عى شريك الحياة أن يعلم بأن ليس من الضروري شريك الحياة فهم كل مافي الطرف الاخر، فالتنوع بين الأفكار مهم جدا والا اصبحت العلاقة الزوجية مملة.

6. إزالة العبارات السلبية في الحوار: كما هو معلوم لدى الجميع أن الحوار الأسري هو أساس العلاقة الزوجية السعيدة وأحيانا تكون هناك عبارات تدمر هذا الحوار الذي يكون بين الزوجين على سبيل المثال (أنتع عمرك ما عملت كذا وكذا) فهنا على شريك الحياة أن يكون مستمعا جيدا ليتحقق الحوار الايجابي.

7. التسامح بين الزوجين: وهنا على الزوجين أن يكونوا متسامحين وأن لا يصعدوا من التوتر وأن ينبشا في الماضي وعليهم أن يمون متسامحين مع بعضهم البعض والتسامح لكي يتحقق لابد أن يراعوا مصلحة الاسرة والأبناء ويفعلوا تقنية الاعتذار فيما بينهم.

عندما تُبَشَّرُ الأُسْرَةُ بمولُودٍ جَديدٍ، فإنَّ الفرْحةَ تَعُمُّ جميعَ أفرادِ الأُسْرَةِ، ما عَدَا شخصٍ واحد، إنه المَولودُ الأوَّلُ، الذي يَبْدأُ في الشُّعورِ بأنَّ هناكَ من سيَأخذُ مكانهُ ويستحْوِذُ على نصِيبِهِ من الرِّعايَةِ والاهْتِمامِ، وأنَّه لن يبْقَى كما كانَ مِحوَرَ اهْتِمامِ الوالِدَيْنِ، ومحَطَّ أنْظارِ وَرِعايَةِ الجَميعِ، بلْ سَيُصْبِحُ شخْصاً ثانَوِيا في الأُسْرَةِ، وستنْصَرِفُ الأنْظارُ إلى نَجْمٍ جَديدٍ سيكُونُ هو مَحْبوبَ الجميعِ، وبذلكَ تُزْرعُ أولَى بُذورِ الْغَيْرَةِ بين الأبناءِ، ويبْرُزُ تحَدٍ جديدٌ أمامَ الآباءِ ينْبَغِي علَيهِمُ التَّعامُلُ معهُ بحِكْمةٍ وروية.

ولمُساعَدتِكُمْ في مُواجَهَةِ هذا التحَدِّي، والنَّجاحِ في هذه المُهِمَّةِ العَسيرَةِ، سنُعَرِّفُكُم في هذا المَقالِ على أهَمِّ أسبابِ الغَيرَةِ ودوافِعِها، ثمَّ سَأَخْتِمُ بالحديثِ عنْ طُرُقِ علاجِ الغيرةِ وتَقليلِ آثارها.

أولا: أسْبابُ الغيرةِ لدى الأَطْفالِ:

  1. المُقارَنَةُ بين الإخْوَةِ: تُعْتَبرُ المُقارَنةُ بين الإخْوةِ، والمُفاضَلَةُ بينهُمْ، من أقوَى دَوافِعِ الغيرةِ ومُثيراتِها، وهذا من الأخْطاءِ الجَسيمَةِ التي يَقعُ فيها الكثيرُ من الآباءِ وأفرادِ الأُسْرةِ؛ حيثُ يفاضِلونَ بين الأطفالِ انطِلاقاً من تَمَيُّزِ بعضهِمْ بمَهاراتٍ وإمْكاناتٍ واهْتِماماتٍ ليْستْ عندَ الآخَرينَ، مِمَّا يدْفعُ الأطْفالَ والإِخوةَ إلى الغَيْرةِ من بعْضِهِم، وقد يتَطَوَّرُ هذا الشُّعورُ إلى الحِقْدِ والكُرْهِ.
  2. الإِعاقَةُ البدَنيَّةُ: حيثُ ينظُرُ الطِّفْلُ المُعاقُ إلى غيرِهِ بنَوْعٍ من الغَيْرَةِ وعدَمِ الرِّضَا، نظَرا إلى كوْنِه يستَطيعُ القِيام بأمُورٍ لا يستَطيعُ هو إنجَازها.
  3. منعُ الأطفالِ من التَّعبيرِ عن مشاعِرهِم: فبسَبَبِ المَنْعِ من الكَلاَمِ والتَّعبيرِ، وأمْرِ الأَطْفالِ بالصَّمْتِ وعَدَمِ الحَدِيثِ، يَحْصُلُ لهُمْ كَبْتٌ لِلمَشَاعِرِ السِّلْبِية؛ فقَدْ تكونُ لَدَى ابنكَ مُلاحَظات حَوْلَ تمْيِيزِكَ في المُعامَلَةِ بينهُ وبين إخْوتِهِ، من دونِ أنْ تشْعُر، ولكن نَظَراً لأنَّكَ تمْنَعُهُ من الحَديثِ، فإنَّهُ لا يَسْتطيعُ التَّعبيرَ عن عدَمِ رِضاهُ بهذا التَّمْيِيزِ، وقد يتَطَوَّرُ الوضْعُ إلى حالَةٍ من الغَيْرَةِ والْكُرْهِ الشَّديدِ.
  4. تحْمِيلُ الأَطْفالِ فوْقَ طاقَتِهِم: حيْثُ يدْفَعُ بعضُ الآباءِ أبْناءَهُم إلى بَذْلِ مَجْهُودٍ مُضاعَفٍ لِيَكونوا مِثْلَ أخيهِم في مُستَوى فهْمِه وذَكائِه، أو نَيْلِ رُتْبَةٍ أعْلَى من زُمَلائهِم في المدرسة، وبسبَبِ هذه الضُّغوطِ، يتَكَوَّنُ لدى الطِّفْلِ شُعورٌ بالْغَيرةِ والغَضَبِ، ويَحْقِدُ على الأطْفالِ الآخَرينَ؛ إذْ يرى أنَّهُ بِسَبَبِهِم يضْطَرُّ إلى القِيامِ بأعْمالٍ تفُوقُ قُدرتَهُ ومُؤَهِّلاَتِهُ.
  5. أَنانِيَّة الأبَوَيْنِ: لَطَالَمَا قُلْنا بأنَّ الأطْفالَ يَكْتَسِبونَ الكَثِيرَ من طِباعِهِم انطِلاَقاً من تَقْلِيدِهِم للْوالِدَيْنِ،فإذا كان الأَبَوَانِ أو أحدُهُما يَتعامَلُ بأنَانِيةٍ، ويَتَصرَّفُ من مُنْطَلَقِ المَصْلَحَةِ الشَّخْصِية، فإنَّ الأبْناءَ يُقَلِّدونَهُ في ذلك، وقدْ تَتَطَوَّرُ هذه الأَنانِيةُ إلى غَيْرَةٍ بين الأبْناءِ؛ نَظَراً لِحِرْصِ كلٍّ منهُمْ على مَصْلَحَتِهِ الخاصَّةِ.

يمكِنُ اعْتِبارُ هذه الأَسْباب الخَمْسة، أهمَّ العَوامِلِ المُؤَدِّيَةِ إلى ظُهورِ الغَيْرَةِ لَدى الأَطْفَالِ، وهي نَفْسُهَا المَفاتيحُ التي تَكْشِفُ لنا سُبُلَ عِلاجِ الأَنانِيةِ والوِقايَةِ منْها.

ثانيا: علاَجُ الغيرةِ عند الأطفالِ والوِقايَةُ منها:

  1. تَقَبُّلُ كلُّ طِفلٍ كما هو، وعَدَمُ مُقارَنَتِهِ بغَيْرِه من إخْوتِهِ أو زُمَلائِه، واعْتِبارُه شَخْصا فَريداً في حدِّ ذاتِهِ، دون مُطالَبَتِهِ بأنْ يكونَ مثلَ شَقيقِهِ أو صَديقِهِ أو ابن خالَتِهِ؛ فاللهُ عز وجل قدْ حَبَا كلَّ إنسانٍ بمَواهِبَ لا تَتَوَفَّرُ عندَ غيْرِه، فذلك من قسْمَتِهِ وقَدَرِه، التي يجِبُ علينا الرِّضَا بها، وحمدُه على جميعِ الأَحْوالِ.
  2. الاِهْتِمامُ بِذَوي الإِعاقاتِ، والتَّعامل مَعَهُم بطريقَةٍ تُظْهرُ لهُم أنَّنا نتَقَبَّلُهُم بشكلٍ كلِّي، ولاَ نَنْظُرُ لهُمْ نَظْرَةَ نَقْصٍ أو ازْدِراءٍ، كما ينْبَغي تَوعِيَتُهُم بِحالَتِهِم، وتعْلِيمُهِم بأنَّ هذه الحَالةَ التي هُمْ عليْها من قضاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فإن صَبَرُوا ورَضُوا بها سَيكونُ لهمْ جَزاءٌ عَظيمٌ في الآخِرَة، كما يُنَصحُ بالترْكيزِ على بعضِ المَواهِبِ التي قد يَتمَيَّزُ بها أصحابُ الإِعَاقَات، ممَّا يساعِدُهُم على تحْقيقِ الذَّاتِ والثِّقَة في النَّفْسِ.
  3. إتاحَة فُرْصَةٍ للأَطْفالِ من أجلِ الحَديثِ والتَّعْبيرِ عن مشاعِرهِمْ، والإِفْصاحِ عمَّا يُزْعِجُهُمْ ويُثيرُ غَضَبَهُم، وخاصَّةً فيما يَجْمَعُهُم بإخْوَتِهِم وأَقْرانِهِم، وبهذا الحديثِ والإِفْصاحِ، سيَكْتَشِفُ الأَبَوانِ بَوادِرَ أيِّ شُعورٍ بالغَيْرَةِ والْحِقْدِ بين أبْنائِهِم، ويَسْتَطيعُونَ تلاَفيَ تَطَوُّرِ الوَضْعِ وتأَزُّمِه، ويُحافِظونَ على المَوَدَّةِ والأُلْفَةِ بين أبْنائهِمْ.
  4. عَدَمُ تحْميلِ الأَبناءِ فوقَ طاقَتِهِم، ومُسايَرَةُ قدُراتِهِم وإمْكاناتِهِم دونَ ضَغْطٍ أو إكْراهٍ، والثَّناءُ علَيْهِم مُقابِلَ المَجْهُودِ الذي يَبْذُلونَهُ، ومكافَأَتُهم على إنْجازاتِهم مَهْما كانَتْ صغيرَةً، فذلِكَ وُسْعُهُم، ولاَ يُكلِّفُ اللهُ نَفْسا إلا وُسْعَها.
  5. تَعامُلُ الوالِدَيْنِ بِمبدَأِ السَّخاءِ والعَطاءِ، وإيثارِ الغَيْرِ على الذَّاتِ، والمُسَارَعَةُ في نَفْعِ الآخَرينَ وتَقْدِيمِ يدِ الْعَوْنِ لهُم، وبذلِك يَتَعَلَّمُ مِنهُم أبْنَاؤُهُم قِيمَةَ التَّعَاوُنِ والبَذْلِ والإِيثارِ، ومَقْتَ البُخْلِ والأَنانِيَةِ، وتَرْجيحَ مَصْلَحَةِ الجَماعَةِ على مَصْلَحَةِ الذَّاتِ.

وعلى العُمُومِ، فإنَّ أهَمَّ مُنْطَلَقٍ في الوقايَةِ من الغَيْرَةِ بين الأطْفالِ، هو مُعامَلتُهُم بالتًّساوِي وعَدَمَ التَّفْضيلِ والتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمْ، ولَنَا في قِصَّةِ يوسُف عليه السَّلام مع إخْوَتِه خَيْرُ دَرْسٍ ومِثال؛ فقدْ كان إِيثارُ سَيِّدَنا يعْقُوبَ ليُوسُف وأخيهِ في المَحَبَّةِ والاهْتِمَامِ، دافِعا إلى الْغَيرةِ والْحِقْدِ من جِهَتِهِم؛ فَلْيَحْرِص الأَبَوانِ على العَدْلِ والْقِسْطِ بينَ أَبْنائِهِم، ولوْ ظاهِراً على الأَقَلِّ، تَفادِيا لِأَسْبَابِ الْغَيْرَةِ والشَّحْناءِ بَيْنَهُمْ.

يُلاحِظُ بعضُ الآباءِ أن أبناءَهم يَتصرَّفون بعُدْوانِيَّةٍ وقَسْوةٍ مع أَشِقَّائِهم وأصدقائِهم، أو حتى مع الأشياءِ المحيطةِ بهم، الأمرُ الذي يُثيرُ قلقَ الآباء، ويَدفَعُهم إلى التَّساؤُلِ عن سَببِ هذه العُدوانِيةِ وكيْفِيَّةِ علاجِها، وذلك ما سَنُحدِّثُكم عنه في هذا المقال، لنُبيِّنَ لكم أنواعَ السلوكِ العُدوانِيِّ وأسْبابِه، ثم كَيفِيَّةَ الوِقايةِ منه أو عِلاجِه.

أولا: أنواعُ السُّلوكِ العُدْوانِي:

علينا أن نُفرِّقَ بين نوعَيْنِ من السُّلوكِ العدْواني؛ أحدُهما يَكونُ ردَّةَ فعلٍ عابِرَة، والآخرُ يكونُ حالةً مرَضيَّة. فالسُّلوكُ العُدوانِيُّ الذي يَكونُ مُجرَّدَ رَدَّةِ فعْل، بسبَبِ تَهديدٍ أو اعْتداءٍ يَتعرَّضُ له الطفل، لا يُمكنُ اعتبارُه أمرًا مُقْلقًا، بل هو إيجابِيٌّ إلى حدٍّ ما، مما يَعنِي أنَّ الطفلَ يُحاوِلُ حمايَةَ نفْسِه والدِّفاعَ عن أشْيائِه، سواءٌ كانت ألْعابًا أو ثِيابًا أو ما شابَه، وكلُّ ما يَنبَغي علينا في مثلِ هذه الحالات، هو مُراقَبةُ الأطفال، واجتِنابُ تَطوُّرِ ردَّةِ الفعْلِ الغاضِبةِ إلى سُلوكٍ مُؤْذٍ للطَّرفِ الثاني.

أما الذي يَعنِينَا في هذا الصَّدَد، فهو السلوكُ العُدوانِيُّ المرَضِيُّ؛ حيثُ نجدُ بعضَ الأطفالِ يَميلونَ إلى العدْوانِيَّةِ في سلوكِهم وتَصرُّفاتِهم من دونِ أيِّ سبَب، وقد يُمارِسونَ هذه العُدوانِيةَ على الأشْخاصِ أو الحَيوانات، أو الأشْياءِ المحِيطَةِ بِهم، بل وحتى معَ ألْعابِهم وأغْراضِهم الخاصَّة، فما هيَ أسبابُ هذه العُدْوانيَّةِ المرَضِيَّة؟

ثانيا: أسبابُ السُّلوكِ العُدْواني:

الأصلُ في الأطفالِ أنهم وَدُودُون وطيِّبُون، يَميلُونَ إلى التَّسامُحِ والرَّحمَة، ويَخافُون من الظُّلمِ والاعْتِداء، ولكنَّ بعضَ المؤُثِّراتِ الاجْتماعِيةِ والنَّفسيَّة، هي التي تُوَلِّدُ هذا السُّلوكَ العدْوانيَّ لدى كثيرٍ من الأبْناء، ومن أهمِّ هذه العَوامِلِ المؤدِّيَّةِ إلى العُدوانِيَّةِ نَذْكرُ ما يلي:

  • الشُّعورُ بالإِحْباطِ والفَشَل:

إنَّ الفَشلَ وما يُصاحِبُه مِن شُعورٍ بالإِحْباطِ والهَزيمَة، قد يَجْعلُ الطِّفلَ ناقِمًا على نَفسِه وعلى العالِمِ من حَوْلِه، وحاقِدًا حتى على والِديْه وأقْرَبِ الناسِ إليه، وخاصةً إن كان يَتلقَّى منه تأنِيبًا وتَوْبِيخًا على فَشَلِه ورُسُوبِه، وهُنا يَتفَجَّرُ ذلك الحِقْدُ والسَّخَطُ على شَكلِ غَضبٍ ورَغْبَةٍ في الضَّربِ والتَّحطِيم، من أجْلِ التَّنفِيسِ عن مَشاعِرِ الحِقْدِ والإحْباط.

  • الحُصُولُ على الاهْتِمام:

كما قد تَكونُ قِلَّةُ الاهتِمامِ والتَّقدِير، سببًا من أسْبابِ هذا السُّلوكِ العدْوانِي؛ حيث يَجِدُ الطِّفلُ نفْسَه في وَسَطِ عائِلةٍ لا تَهتَمُّ به ولا تَشعُرُ بوُجُودِه إلا في حالةِ الصُّراخِ والتَّصرُّفِ بعُدْوانِيَّة، ويُحسُّ بأنَّه مَرفُوضٌ اجتِماعِيًّا، وخاصَةً إنْ كان يَتِمُّ إقْصاؤُه في البيْت والمدْرَسَة، وتَفْضِيلِ غيرِه من زُملائِه أو إخْوَتِه عليه، فَغايَةُ الطفلِ في هذه الحالَةِ هي لَفْتُ أنْظارِ والديْه ومُدَرِّسِيه إليه، وإِثْباتُ وجودِه لهم، والاسْتِحْواذِ على اهتِمامِهم لِلَحظات، حتى وإن كان ذلك الاهْتِمامُ الذي يَحصُلُ عليه عِبارةً عن ضرْبٍ وصُراخٍ وتَوَعُّد.

  • التَّقلِيدُ والمحَاكَاة:

إنَّ جزْءًا كبيرًا من شخْصِيَّةِ الطفلِ يَتكوَّنُ عبرَ تقليدِ والديْه وعائلَتِه المقرَّبَة، ومُحاكاةِ ما يَراهُ على وَسائِلِ الإعلامِ وشَبكاتِ التَّواصُلِ والألعابِ الإِلِكتُرونِيَّة، فالكثيرُ من الآباءِ يَتصرَّفُون بِنوْعٍ من العُدوانِية، ويَسلُكونَ سَبِيلِ العُنْفِ والصُّراخِ في العَديدِ من المواقِف، كما أنَّ مُعظَمَ ما يَرُوجُ على مِنصَّاتِ التَّواصلِ وَوَسائِلِ الإعْلام، يُقدِّمُ مُحتَوًى عَنيفًا ومُؤلما، أمَّا الألْعابُ الإِلِكتُرونِيةُ فإنَّ أغْلَبَها يَعتَمدُ على العُنْفِ والأسْلِحَةِ والقِتال، ويُشجِّعُ على التَّحْطيمِ وانْعدامِ الرَّحمَة، ويُصوِّرُ عالما لا يَفُوزُ فيه إلا مَنْطِقُ العُنْفِ ومَبْدأُ القوَّة، وفي ظِلِّ ذلك كلِّه تَتكوَّنُ لدى الأطْفالِ نَزعةٌ عُدْوانِيَّةٌ تَنْمُو بِمُرورِ الوقْت.

  • تَعْزيزُ السُّلوكِ العُدْوانِي:

تَعملُ بعضُ الأسرِ على تَعْزيزِ السُّلوكِ العُدْوانيِّ عند أطْفالِها بِوَعْيٍ أو بِدُونِ وَعْي، وذلك من خِلالِ حَثِّ الطفلِ على الانْتقامِ مِمَّن ظَلَمَه، وانْتِزاعِ حَقِّه مِنَ الغيْرِ بالعُنْفِ والقَوَّة، وتَغْيِيبِ مبْدَأِ الرَّحْمةِ والتَّسامُح، ورَبْطِ القَسوَةِ بقِيمةِ الشَّجاعَة، ومِن جانِبٍ آخَر، فإنَّ عدَمَ التَّواصُلِ مع الأبْناء، وحِرْمانَهم مِن فُرْصةٍ للتَّعبِيرِ عن مَشاعِرِهم وأَحاسِيسِهم، قد يَدْفَعُهم إلى الانْزِواءِ والانْطِواءِ على الذَّات، ولا يَجدُونَ لُغةً يُعبِّرون بها عن ذاتِهم غيرَ العُنْفِ والصَّراخِ والتَّحْطِيم، وبمثلِ هذه التَّصرُّفاتِ، تَعمَلُ الأسْرَةُ على تَعزيزِ وتَرْسيخِ السُّلوكِ العُدْوانِيِّ عندَ الأبْناء.

ثالثا: الوِقايَةُ من العُدْوانِيَّةِ عِندَ الأطفالِ وعِلاجُها:

                بعدَ مَعْرِفَتِنا لأهمِّ مُسبِّباتِ السُّلوكِ العُدوانِيِّ لدَى الأطفالِ ودَوافِعِه، نَنْتقِلُ بكم الآن إلى بَيانِ سُبُلِ الوِقايَةِ من هذا السُّلوك، مع مُحاوَلَةِ تَلمُّسِ بعضِ الطُّرُقِ المفيدَةِ في عِلاجِها، وهي في عُمومِها تَدُورُ حوْلَ تَفادِي تِلْكَ العَوامِلِ المسبِّبةِ للْعُدْوانِيَّة، ولكنَّنا نُفصِّلُ فيها القَوْلَ على الشَّكلِ التالي:

  • لا تَكُنْ عُدوانِيًّا حتى لا يكونَ أطْفالُك عُدْوانِيِّين؛ لقد تَحدَّثْنا عن أنَّ الأطفالَ يَكتَسِبُون كثيرًا من صِفاتِهم عن طريقِ تَقليدِ آبائِهم، فاجْتَنِب الصُّراخَ أمامَ أطْفالِك، وإظْهارَ غَضَبِك حالةَ وُجُودِهم، وأَبْرِزْ لهم جَوانِبَ الرَّحمَةِ والحِلْمِ في سُلوكِك، وعلِّمْهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقول: “ما كانَ الرِّفْقُ في شيْءٍ إلَّا زَانَه (أيْ جَعلَه جميلا) وما نُزِعَ من شيْءٍ إلَّا شَانَه (أي جَعَلَه قَبِيحا)”.
  • التَّحْفيزُ والمكافأَةُ بَدَلَ الضَّرْبِ والتَّعنِيف؛ لأن دافِعَ الحُصولِ على المكافأةِ، ولَذَّةَ سماعِ ثَناءِ الوالدَيْن، أقْوَى من دافِعِ الخَوْفِ من الضَّرْبِ والعِقاب، الذي يُعْطِي في الغالِبِ نَتائِجَ عَكْسيَّة، ويَجعَلُ الطفلَ يَميلُ بدَوْرِه إلى العُنْفِ والصُّراخِ كُلَّما فَشِلَ في الحُصولِ على ما يَرْغَبُ به، فلْيَحْرِص الآباءُ على دَفْعِ أبْنائِهم نَحْوَ السُّلوكِ الإيجابيِّ عن طَريقِ تَحفِيزِهم وتَشْجيعِهم بالمكافآت.
  • غَرْسُ هِواياتٍ بَديلَة؛ فقد اكتَشَفَ الخُبراءُ بأنَّ أنْجَعَ وَسِيلَةٍ للتَّخلُّصِ منَ السُّلوكِياتِ السلبية، هي زَرْعُ عاداتٍ وسُلوكِياتٍ أخُرى بَدِيلة، فإن كانَ طِفْلُك يُعانِي من العُدوانِيَّةِ والعُنْفِ في تَصرُفاتِه، فَحاوِلْ تَعلِيمَهُ عاداتٍ وهِواياتٍ يُفرِّغُ فيها طاقَتَه السَّلبيَّة، ويَتخلَّصُ بواسِطَتِها من العُدوانِيَّة، ويَنبَغِي أن يَكونَ هذا المبدْأُ في العِلاجِ مَصْحوبًا بمسألةٍ في غايَةِ الأهمِّيَّة، وهي عَدَمُ التَّركيزِ على السُّلوك العُدواني؛ فلا تَجْعلْ هَدَفَك أو هَدَفَ طِفلك هو التَّخلُّصَ من السُّلوكِ العُدْواني، بل اصْرِفْ انتِباهَه عن ذلك، واجْعَلْ هَدَفَه إتْقانَ رِياضةٍ مُعيَّنة، أو تَعلُّمَ لُغةٍ جديدة.
  • الحِوارُ الأسَريُّ البَناءُ والمناقَشاتُ الهادِئة؛ فقد يَكونُ الحديثُ مع الأبناء، وإشْراكُهم في المناقَشاتِ الأسريَّة، وإِتاحَةَ الفرْصَةِ لهم للتَّعبِيرِ عن آرائِهم وذَواتِهم، واحِدًا من أفْضلِ الطُّرُقِ لتَفادِي العُدوانِيَّةِ عند الأطفال؛ لكونه يُحققُ الكثيرَ من الغاياتِ والأهْداف؛ فهو يُشْعرُهم بالأهَمِّيَّةِ وتَقْديرِ الذَّات، كما أنَّه يُساعِدُ على اكْتِشافِ التَّصوُّراتِ الخاطِئةَ لديْهم، وتَصحِيحِها عن طريقِ الحِوارِ والإقْناع، بالإضافةِ إلى كوْنِه يُكسِبُهم الذَّكاءَ العاطِفيَّ والاجتماعي، الذي يُمكِّنُهم من إدارةِ المشاعِرِ والتَّحكُّمِ في العَواطِف، ويُسهِّلُ عليهم إقامَةَ علاقاتٍ ناجِحةٍ مع الآخرين.

وبِمثْلِ هذه الخُطواتِ التَّربَويَّة، يُمكِنُنا تَجنُّبُ وقُوعِ أطْفالِنا في مُستَنْقَعِ العُدوانِيَّة، وإِخْراجِهم منها حالَ وُقُوعِهم فيها، كما أنَّها سَتُكْسِبُهم مَهاراتٍ تُساعِدُهم على الَّنجاحِ في حَياِتهم الشَّخصيَّةِ والاجتِماعيَّة، وتُمكِّنُنا من بِناءِ أسْرةٍ مُتماسِكَة، ومُجْتَمعٍ مُتراحِم.

النَّشاطُ الزَّائدُ عندَ الأطفال

يُعدُّ النشاطُ الزائدُ عند الأطفال، من الأمورِ التي تُشكلُ حرَجا كبيرا وحِمْلا ثقيلًا على كثيرٍ من الأسر؛ حيث يُسببُ لهم ذلك ضَغْطا هائلا في البيت، نظرا لكثْرةِ حرَكةِ الطفلِ وكلامِه وإزعاجِه، ويُسبِّبُ لهم كذلك حرَجا مع الأهلِ والأصدقاءِ كلَّما قاموا بزيارَتِهم؛ حيث يَبدُو طفلُهم وكأنه غيرُ مُهذَّبٍ ولا يُمكنُ التحكُّمُ فيه، وليس ذلك فحسب، بل إنهم يَجدُونَ صُعوبةً في تَسجِيلِه بمدرسةِ مُناسِبة، بِسببِ رفْضِ كثيرٍ من المدارِسِ تسْجيلَ الأطفالِ المصابينَ بالنَّشاطِ الزَّائِدِ في فُصولِها.

لذلك رَأيْتُ أنه من الضَّرورِيِّ الحديثُ عن هذه المسألة؛ لأعَرِّفَكم بحقيقةِ النشاطِ الزائِدِ عند الأطفال، وأَقِفَ معكم على أعْراضِه وعلاماتِه وأسبابِه، ونَخْتمُ إن شاءَ اللهُ بالحديثُ عن بعضِ الحُلولِ والطُّرقِ المعينةِ على علاجِ مشكلةِ النَّشاطِ الزائِدِ عند الأطفال.

أولا: مفهومُ النَّشاطِ الزائدِ عند الأطفالِ وأعراضُه:

النشاطُ الزَّائِدُ عند الأطفالِ هو: حركةٌ جِسْميَّةٌ غيرُ طبيعية، تَجعلُ الطفلَ في حالةٍ من التَّنقلِ والقفْزِ والكلامِ المستمر، وكأنه لا يَملُّ ولا يَتعب. وهو ليس شَغبًا وسوءَ أدَبٍ كما قد يَعتقِدُ البعض، بل إنه أمرٌ خارجٌ عن إرادةِ الطفلِ في كثيرٍ من الأحيان، ولا يُعتبَرُ عيبًا سلوكِيًّا، فلا بدَّ من التعاملِ معه بناءً على هذا المبدَأ.

وأهمُّ أعْراضِ وعلاماتِ النشاطِ الزائِدِ عند الأطفالِ ما يلي:

  • الحركةُ الزائدةُ والنشاطُ المفْرِط.
  • عدمُ الإقبالِ على الألعابِ الرياضية.
  • عدمُ الاستجابَةِ للوالديْنِ وطاعَةِ أوامِرِهما، وضعفُ التوافُقِ بين الطفلِ وأسرتِه.
  • تَشتُّتِ الذِّهنِ وعدمُ التركيز، وعجزُ الطفلِ عن تَوْجيهِ اهتمامِه نحو موضوعٌ محدَّدٍ لوقْتٍ كاف.

ثانيا: الفرْقُ بين الشَّغبِ والنَّشاطِ الزائِد:

من المهمِ للآباءِ معرفةُ ما إذا كان ابنُهم يُعانِي من النَّشاطِ الزائِد، أم إنه مُجرَّدُ مُشاغِبٍ يُحبُّ التَّمرُّدَ وعدمَ الانْصِياعِ للأوامر؛ لأنهم بذلك سيُحدِّدونَ طريقةَ التعاملِ معه، ونَعرِضُ الآن بعضَ السِّماتِ التي تَستطيعونَ من خِلالِها معرفَة ذلك:

  • عادةً ما تَظْهَرُ بَوادِرُ النشاطِ الزائِدِ عند الطِّفلِ قبلَ سنِّ السابِعة، وبالتالي فإن الطفلَ الذي تَكثُرُ حركتُه ونشاطُه في سنِّ العاشرةِ أو ما بعدَها، غالبًا ما يَكونُ مُشاغِبا.
  • الذكورُ أكثرُ عُرْضةً للإصابَةِ بالنشاطِ الزائِدِ من الإناث، فإذا كان الطفلُ الحركيُّ ذَكرًا، فإن ذلك يُرجِّحُ كونَه مُصابًا بالنشاطِ الزائد.
  • ظهورُ النشاطِ الزائدِ على الطفلِ في البيْتِ والمدرسة، وفي أيِّ مكان ذَهَبَ إليه، وذلك مما يُرجّحُ أنه مُصابٌ بالنَّشاطِ الزائِد، ويَنبَغِي التَّعاملُ معه بشكلٍ خاص، أما إن كان يُكثِرُ الحركةَ والنشاطِ في البيْت، ويَجلِسُ في الفَصْلِ الدراسيِّ بهدُوءٍ وتَركيز، فإن ذلك دليلٌ على أنه مشاغبٌ يُحبُّ التَمردَ على والديْه.
  • عدمُ مشاركَةِ الطفلِ في الألعابِ الرياضية، وصُعوبَةُ تَكوينِه لعلاقاتِ صداقةٍ مع أقْرانِه، فهذا أيضًا دليلٌ على أنه يُعاني من النشاطِ الزائد.
  • كثْرةُ الحديث، وسرعةُ الإجابةِ والرَّدِّ على الكلامِ حتى قبْلَ انتهاءِ الطرَفِ الآخر، فذلك مِن علامةِ النَّشاطِ الزَّائدِ.

ثالثا: أسبابُ النشاطِ الزائِدِ عند الأطفال:

تَرْجعُ أسبابُ إصابةِ الطِّفلِ بالنَّشاطِ الزائِدِ إلى الأسْرةَ وسُوءِ التَّربيةِ، وكما نَقولُ دائِمًا: الطفلُ عِبارةٌ عن صفحةٍ بيْضاء، والآباءُ هم من يَكتُبُ على هذه الصَّفحةِ ويُسجِّلُون عليْها ما يُريدُون، ونَظَرًا لِقلَّةِ وعْيِ الآباءِ بكثيرٍ من أخْطاءِ التربيَّة، فإنَّ بعضَ تصرُّفاتِهم وعاداتِهم في الحياة، قد تُصيبُ الأطفالَ بمشاكلَ نفسيَّةٍ وسلوكِيَّة، ومنها النَّشاطُ الزائِدِ، وأهمُّ أسبابِه ما يلي:

  • العقابُ القاسِي والضَّرْبُ والشَّتْمُ والإهانَة، وأخْطَرُ ما في الأمر، أنَّ الأسْرةَ تَزيدُ من قسْوَتِها كُلَّما زادَ نَشاطُ الطِّفلِ وإفْراطُه في الحرَكَة، ولكن تِلك القَسْوَةَ في التَّعامُل، ومُحاوَلَةَ تَهدِئةِ وإسْكاتِ الطفلِ بالقوَّة، يُفاقِمُ مُشكلَةَ النَّشاطِ الزائِدِ عندَه أكثَر، ويُوقِعُه في مَزيدٍ من المشاكِلِ السُّلوكِيَّةِ والنَّفسيَّة.
  • سوءُ التَّغذِيَّة، وتَناوُلُ الأطفالِ لمأْكُولاتٍ تَحْتوِي على مَوادَّ حافِظَةٍ ومُحفِّزَة، تَجعلُهم يُفْرِطُون في الحركَةِ والَّنشاط.
  • وُجودُ خِلافاتٍ ومَشاكلَ بين الزوجَيْن، وكثْرةُ خصامِ الوالدَيْن وتَشاجُرِهما، وخاصَّةً أمامَ الأبْناء، فإنَّ ذلك يُسبِّبُ لبعْضِ الأطْفالِ إفْراطًا في الحرَكةِ ونَشاطًا خارِجًا عن المألُوف.

رابعا: التَّعامُلُ مع النَّشاطِ الزَّائِدِ عندَ الأطفالِ وعِلاجُه:

يُمكنُ الاعْتمادُ على بَعضِ المبادِئِ والحُلولِ التي سَتُساعِدُكُما أيُّها الوالِدانِ المحِبَّان، في التَّعامُلِ مع حالةِ النَّشاطِ الزائِدِ عند أبْنائِكم بِحكْمَة، وتُعينُكما على عِلاجِهم وإخْراجِهم من هذه الحالةِ بالطَّريقَةِ الصَّحيحةِ السَّليمة، ومن تِلك الحُلولِ ما يلي:

  1. تَجنُّبُ أسلوبِ العِقابِ والصُّراخِ في تربيَّةِ الأبناء، والبُعْدُ عن الضَّرْبِ والقسْوَةِ ما أمْكَن.
  2. الإكْثارُ من المأكُولاتِ الطبِيعِيَّةِ المعَدَّةِ في المنزل، والتَّقلِيلُ من المعَلَّباتِ والحلوِيَّات التي تَحتَوِي على مَوادَّ حافِظة.
  3. إصْلاحُ المشاكِلِ الزَّوجيَّة، وجَعلُ السَّعادَةِ والطُّمأنِينَةِ تَغْمُرُ أرْجاءَ البيْت؛ لِيشْعُرَ الطِّفلُ بالهُدوءِ والسُّكونِ الدَّاخِلِي، ويَنعَكِسَ ذلك على تصرُّفاتِه وحرَكاتِه.
  4. اعتِمادُ مبْدأِ المكافَأَةِ في التَّربيَّةِ والتَّوجِيه؛ بِحيْثُ تَطلُبُ منه القِيامَ بما تُريدُه أنتَ من تَمارينَ وأنْشِطةٍ مُقابِلَ مُكافَأَةٍ تَعدُه بها، لِتُساعِدَه على التَّركيزِ على تلك المهِمَّةِ بِفعْلِ المكافَأَةِ، التي تُحفِّزُه على التَّركيزِ وإنْهاءِ العَمَلِ المطْلُوب.
  5. ركِّزْ على الجَوانِبِ الإِيجابيَّةِ في الطِّفْل، وشَجِّعْهُ على تطْوِيرِها وتَحْسينِها، لتَكونَ الجانِبَ الأكْبَرَ من شَخصيَّتِه، وتَجعلَ سلبيَّاتِه تَختَفِي إلى حدٍّ ما، وتَتَضاءَلَ أمامَ إِيجابِيَّاتِه ونِقاطِ قوَّتِه.

وبمثْلِ هذه المبادِئِ والخُطوات، تَستَطيعِينَ أيَّتُها الأمُّ العَطوفَةُ والأبُ الرَّؤُوف، أن تُعالِجَ مشكلةَ النَّشاطِ الزائدِ لَدى طِفلِك، وتُساعِدَه على نَجاحِه الدراسِيِّ والاجتماعِي، من خلالِ تَسجِيلِه في مدارسَ مرْمُوقَة، وبنائِه لعلاقاتِ صَداقَةٍ مع أقْرانِه وزُملائِه، وإشْراكِه في المناسَباتِ العائِليَّةِ والأنشطةِ الاجتماعِيَّةِ دونَ حَرجٍ أو قَلَق.

يميل الأطفالُ بطبعهم إلى المرح واللعب، ونشرِ السعادة في المحيط الذي يتواجدون فيه، وكلما رأيتهم وجدت الابتسامة تعلو مُحيّاهم، إلا أنه ومع ذلك، قد يصاب بعض الأطفال والمراهقين بالاكتئاب والإحباط، والميل إلى الانعزال، فما هي أسباب ذلك؟ وكيف تعرف بأن ابنك مصاب بالاكتئاب؟ وما هي الأشياء التي يمكنك القيام بها لعلاج هذه حالة التي يمر بها طفلك؟ ذلك ما سنتعرف عليه في موضوعنا هذا.

ولكننا قبل الشروع في توضيح هذه المحاور، لا بد من الإشارة إلى أنه من الطبيعي جدا أن يمر ابنك في بعض الأحيان، بحالة عابرة من الاكتئاب والإحباط، وتفضيل الخلوة والانعزال، فذلك من الأحوال النفسية المصاحبة لمراحل النمو التي يمر بها الأطفال، ولا داعي للقلق ما لم يطل الأمر، ولم يأخذ منحًى تصاعديًا.

أسباب الاكتئاب عند الاطفال:

كثيرةٌ هي الأسبابُ والعواملُ التي تُصيب الأطفال بالاكتئاب، ويُمكن تقسيمُها إلى نوعين: عوامل وراثية وأخرى اجتماعية، ونُفصِّلُ فيها القولَ كما يلي:

  1. أسبابٌ وراثية:

بمعنى أن أحد أفرادِ الأسرةِ كان يعاني من الاكتئاب، بسبب اختلالٍ في إفرازِ بعض الهرموناتِ التي تُؤثِّرُ على الحالة النفسية للإنسان، فينتقل هذا الاختلال إلى الطفل عن طريق الجينات الوراثية، مما يصيب الطفل بالاكتئاب.

  • أسبابٌ اجتماعيه:

وأما بالنسبةِ للأسبابِ الاجتماعيةِ فلا يُمكن حصرها، وهي تَرجع في أصلها إلى تَأَثُّرِ الطفلِ بمن يعيش معهم ويحتك بهم في محيطه الأُسري والمدَرسي، أو غيرِ ذلك من الفضاءاتِ الاجتماعية، ويمكن أن نوضح ذلك من خلال مجمعة من الأمثلة:

  • إذا كان أحد الأبوين يَغلُبُ عليه التفكيرُ المتشائم وتوَقُّعُ الأسوَأِ دائما، ويعيش في حالة من الإحباط وعدم الرضا، فإن الطفل قد يكتسب منه هذا النمط في التفكير، ويدخل بدوره في حالة من السلبية والاكتئاب.
  • وقوعُ حادثٍ مأساوِيٍّ في الأسرة؛ كفقدان أحدِ الوالدين أو المقربين، أو إعاقتِه أو سَجْنِه، أو تَعرُّض الطفلِ نفسِه لحادثةٍ خطيرة تسبب له إعاقةً أو صدمة نفسية، يعيش الطفل على إثرها في حالة اكتئاب مرضي، ويغلب عليه التفكير السلبي والخوف وعدم الارتياح.
  • ومن الأسباب كذلك مرورُ الطفلِ بضغوطٍ نفسيةٍ تفوقُ قدرةَ تحمُّلِه، يُمارسها عليه أبواه أو أستاذُه أو ما شابه، وغالبا ما يكون ذلك بسبب تأخره الدراسي، وعدم قدرته على تحصيل نتائج جيدة، فإن هذه الضغوطَ تدفع الطفلَ إلى لوْمِ نفسه والشعورِ بالذَّنب، وغيرِ ذلك من المشاعر السلبية التي تُدخِلُه في حالةٍ من الاكتئاب الحاد.
  • إحساس الطفل بأنه غير مرحب به في أسرته، وأن أبواه لا يبادلانه نفس الشعور بالتعلق والمحبة والمودة، وأنهما لا يتقبلانه ولا يظهران التقديرَ الذي يَتُوقُ إليه، ولا يشبعان حاجاته العاطفية، فإن هذا الرفض والإهمال من الوالدين، قد يسبب للطفل حالات اكتئاب مرضية.
  • تَعنِيفُ الطفلِ أو تعرُّضه للتحرش الجنسي أو الاعتداء المباشر، يجعل الطفل في حالة صراع داخلي بين الشعور بالعار والحرج والخوف، وعدم قدرته على مصارحة والديه وإخبارهما بالاعتداء الذي تعرض له، وكلما استمر هذا الصراع الداخلي وطالت مدته، كلما سبب ذلك حالة من الاكتئاب المتزايد، التي قد تؤدي في الأخير إلى اكتئاب مرضي حاد.

أعراض الاكتئاب عند الأطفال:

بعد معرفتنا للأسباب التي قد تصيب الطفل بالاكتئاب، ننتقل الآن لنقطةٍ أخرى في غاية الأهمية، وهي التعرف على أعراض الاكتئاب المرضي عند الأطفال، حتى نستطيع التمييز بينها وبين الاكتئاب العابر، الذي يمكن اعتباره حالةً نفسية طبيعية تنتج عن التقلبات المزاجية، وسنركز الآن على بعضِ العلامات التي تُعتبر مؤشرا على إصابة الطفل باكتئاب مرضي، وهي:

  • استمرارُ حالة الحزن والاكتئاب مدةً تتراوح بين أسبوع وشهر واحد، وخاصة إذا كانت تلك الحالة النفسيةُ مصحوبةً بفقدان الشهيةِ وعدم المشاركةِ في الأنشطةِ مع العائلةِ أو الأطفال الآخرين، وصعوبةِ بناءِ علاقاتٍ اجتماعية جيدة خلال هذه الفترة، فإن ذلك يُعتبرُ مؤشِّرا قويًّا على إصابةِ الطفلِ بالاكتئاب.

مع العلم أن الميل إلى الانعزال والوحدة ليس مؤشرا عاما؛ فهناك بعض حالات الاكتئاب التي تكون مصحوبةً بالخوف الشديد أو كثرةِ البكاء، لِذا يجب الانتباه إلى التغيرات التي تطْرأُ على سلوكات الأطفال بدقة وتثبُّت.

  • الشعورُ بالقلق الشديد الذي يَظهر في صورةِ تشتُّتٍ ذهني، وقَضْمٍ للأظافر، أو تدني مستوى التحصيلِ الدراسي، بسبب عدم القدرةِ على التركيز، فذلك من الأعراضِ المصاحبةِ لحالاتِ الاكتئاب المرضي.

في حالة ظهور مثل هذه الأعراض على طفلك، بادر إلى مساعدته واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعلاجه وإخراجه من حالة الاكتئاب بسلام، والأهم في هذه العملية ألا يَشعر الأبوانِ بالذعر والارتباك، وكأنهما أمام مشكلة عويصة لا حل لها؛ فالأمر أيسر من ذلك، وكلُّ ما يلزم فعله هو الاتجاه إلى المتخصصين في العلاج النفسي، لمساعدة طفلك على الشفاء من هذا المرض، والتعامل مع الموضوع على أنه مرض كباقي الأمراض الأخرى، وأن نتجاوزَ نظرة المجتمع إلى المريض النفسي على أنه مجنون أو مسحور أو ما شابه.

ونشير في الختام، إلى أن تصرفاتٍ صغيرةً يمكنها أن تُجنِّبَ أطفالَنا الإصابةَ بالاكتئاب، فلو حافظْنا على علاقةٍ طيبةٍ وتواصلٍ جيد مع أطفالنا، وأَتَحْنا لهم فرصةَ الحديث بحريةٍ عما يشعرون به، وعن تجاربهم وما يحدث لهم، وأضْفيْنا عليهم من حناننا وعطفنا بدون شروط، فإن احتماليةَ إصابتِهم بالاكتئابِ تكون شبهَ منعدمة.

يُمارس بعضُ الآباءِ سلطةً زائدةً على أبنائِهم، ويُحاولون التّحكمَ في كلِّ الجوانبِ المتعلقة بحياتِهم، الأمرُ الذي يُؤثِّر سلبًا على شخصيةِ الأطفالِ ومستقبلِهم؛ لِذا سأقدم لكم في هذا المحور ثلاثَ نقاط، ستساعدُكم على تجنب السُّلْطويَّة، وإعطاءِ فسحةٍ أكبرَ لأبنائِكم من أجل إثباتِ ذاتِهم.

  • توقع الأفضلَ لأبنائِك دائما:

نصيحتي لك، أن ترفعَ نسبةَ توقعاتِك من أبنائك؛ توقع أنهم أذكياء، وأنهم صادقون في أقوالِهم، وأنّ لديهم ثقةً عاليةً في أنفسِهم، وأنهم يَستطيعون الحصولَ على درجةٍ ممتازةٍ في المدرسة.

ارفع نسبة هذه التوقعات؛ فهناك قاعدةٌ تقول: “ستحصل من أبنائك على ما تتوقعُه منهم“، بمعنى أنه إذا توقعت أن ابنَك يَكذب، ونظرت إليه هذه النظرةَ لمدة 24 ساعة، فإن ذلك ما ستحصل عليه من أطفالك.

  • واظِبْ على تحفيزِ أبنائِك وتشجيعِهم:

يَبخلُ الكثيرُ من الآباءِ على أبنائهم بعباراتِ الثَّناءِ والتقدير، فلا تكن منهم، وأكثرْ من تَرديدِ عباراتِ الثّناء والشكر والتحفيز والتقدير لأبنائك؛ فإن ذلك يزيد من ثقة أبنائك بأنفسهم، ويقوي علاقتك بهم، ويُبعدُك عن الرّغبةِ بالتّحكمِ في حياتِهم.

  • لا تَحكمْ على أطفالِك انطلاقًا من تجارِبِك:

لعلك مرَرْتَ في طفولتِك بظروفٍ وتجاربَ سلبية، جعلتْك تضطرُّ إلى الكذبِ وارتكابِ بعضِ الأخطاء، والوقوعِ في مواقفَ سيئة، وتظنُّ بأن أبناءَك قد يمرُّون بنفسِ التجارب، ويقعون في نفس الأخطاء، فتحاولُ ممارسةَ سلطةٍ زائدة عليهم، والتحكمَ في كلِّ شؤونِهم؛ لتجنيبِهم المرورَ بتلك التجاربِ السلبيةِ التي مررْتَ بها.

والحقيقةُ أن هذا الاعتقاد خاطئ؛ فليس من الضروري أن يَمر أبناؤُك بنفس الظروفِ التي مررتَ بها، لِذا أنصحك بألا تقلق بها الخصوص، وأن تتوقعَ لأبنائك الأفضل، وأن تترُك لهم حيِّزًا من الحريةِ لإثبات ذاتِهم، وتكوين شخصيتهم المستقلَّة.

يحلم كلُّ أبٍ وأم بأن يكونَ طفلُهما ذكيا نَجِيبًا، تَظهرُ عليه ملامحُ العبقريةِ والفطنة، ويُقبِلُ على دراستِه بجدٍ ونشاط، ويتساءلون عن كيفيةِ غرسِ بُذُورِ العبقريةِ في أطفالِهم، وجعلِهم أكثرَ ذكاءً وتَحفُّزًا للتعلم، ذلك ما سنتعرف عليه من خلال النقاط التالية:

أولا: غرسُ الثقةِ بالنفس:

أهمُّ عاملٍ من عواملِ زَرعِ بذُور العبقريةِ في طفلِك، هو أن تجعلَه يتحلى بالثقةِ في نفسِه، مؤمنًا بإمكاناتِه وقدراته، قادرًا على تحمُّلِ مسؤولياتِه، مما يجعله يُقبِلُ على تطويرِ نفسِه وتحسين مستوى دراستِه، لكونِه يَتعبِرُ أنَّ ذلك ممكنٌ بالنسبة له، وأنه من مسؤولياته.

ومن أجلِ أن تجعلَ طفلَك واثقا من نفسه، لا بد من أن تُظهر له أولا مدى ثقتِك فيه، وإيمانك بإمكاناته وقدراته، وأن تعمل على رفعِ توقعاتِه وتطلعاته؛ فثقتُك بأطفالك تجعلُهم واثقين من أنفسِهم، وثقتُهم بأنفسِهم تدفعُهم إلى الجدِّ والمثابَرَة.

ثانيا: تطوير مهارة التحدث لدى الأبناء:

تظهر ملامح النجابة والعبقرية عند الأطفال من خلال تحدثهم بطلاقة وأَرْيحِيَّة، مما يُشعر السامعين بأن هذا الطفلَ ذو ذكاءٍ وفطنة، ومن هنا تتجلى أهمية تطوير مهارة التحدث لدى طفلك، وذلك من خلال التحدث معه بشكل مستمر، ومناقشتكما مواضيع مختلفة حسب فهمه وقدرة استيعابه، وتركيزك على إعطائه فرصةً أوسع للحديث والتعبير عن أفكاره؛ لأن أهمَّ مفتاح في تعليم الأبناء مهارة الحديث، هي أن تكون مستمعا جيدا، تعرف متى تنصت، ومتى تسأل، وكيف تتفاعل مع كلامه وتعليقاته.

قد يعتبر البعض بأن الحديث مع أبنائهم والاستماع إلى حديثهم مضيعةٌ للوقت، ولكنه في الحقيقة أسلوب فعال لبناء شخصيةِ الطفل وترسيخ ثقته بنفسه، وتلقينه طرق النقاش والحوار، ومهارة التواصل مع الآخرين.

                ثالثا: صَقْلُ مواهبِ طفلِك:

اعمل على اكتشافِ مواهب طفلِك وصَقْلِها وتطويرها، وذلك بملاحظتك للأشياء التي يُحبُّها ويميلُ إليها، ويَحْذُوه الشَّغفُ للقيامِ بها، فهذه هي الأشياءُ التي سينجحُ فيها طفلُك، ويَكون من خلالِها مبدعا، ولا تحاولْ فرضَ طموحاتك وأحلامك عليه، ثم تنتظرُ منه أن يكون مبدعا في شيء لم يخترْه ولا يُحبه.

ليس من الضروري أن يكون ابنُك نسخةً عنك، يُحبُّ قراءةَ الشعر أو مطالعةَ كتب التاريخ، فقد يكون محبا للأشياءِ العملية كالإصلاح والتركيب والابتكار، وإذا أَتَحْتَ له الفرصة ليقومَ بالأشياء التي يُحبُّها ويميل إليها، فإنك تساعدُه على أن يكون مبدعا وناجحا في حياته.

عليك أن تُدرك بأن تطويرَ مواهبِ طفلِك لا يَعتمد فقط على التركيز على مهارات محددة، كمهارة الحسابِ الذهني أو التمَرُّنِ على رياضة ما، بل ينبغي أن يَشمل ذلك مهاراتٍ مختلفة، ابتداءً من القيام بأعمالٍ منزليةٍ رَتِيبَة، كما يُفضَّلُ أن تُعرِّفَه على مجال عملك ووظيفتك، وأن تُخبرَه عن تفاصيل العمل وكيفية قيامك بمهامك، وإذا سنَحَت لك الظروف فلا تتردد في اصطحابه إلى مقر عملك ليكتشفَ ذلك بنفسِه، كما يُستَحبُّ أن تُطلعه على هواياتك؛ مثل المطالعةِ والكتابةِ والرسم، وأن يُشاهدَك أثناءَ قيامِك بها، لتساعدَه على اكتشاف مواهبَ ومهاراتٍ مختلفة، تُسهِمُ بمجموعها في صَقْلِ شخصيتِه.

رابعا: غرس ثقافة الاختيار عند الأبناء:

إن تنميةَ ثقافةِ الاختيارِ لدى الأبناء، تُسْهِمُ بشكلٍ كبير في صَقْلِ شخصيتهم وتنميةِ مهاراتهم، وجعلِهم أكثرَ قدرةً على اتخاذ القرارات، ما يزيد من ثقتِهم بأنفسهم، وهي أمورٌ تنعكس مع الوقتِ على مستوى إدراكِهم وقدراتِهم العقلية، وتجعلُهم أكثرَ ذكاءً وفطنة، وتزيد من حظوظ نجاحِهم في مختلفِ مجالاتِ الحياة.

يمكنك غرسُ ثقافةِ الاختيار عند طفلك بوسائلَ يسيرة، فعندما تَصحبُه إلى السوق مثلا، أشركْه في اختيار المنتجاتِ والبضائعِ التي تريد شراءَها، واسأله عن رأيه في نوعها وثمنها، وعندما تريدُ اخيار أي الطريقين تسلك نحوَ وجهتِك، أطلب منه أن يُحدد لك الطريق التي يراها أنسب، ولا تَغفَلْ عن طلب التعليل منه؛ لماذا هذا الاختيارُ وليس ذاك، ومن خلال طريقةِ تعليلِه لاختياراتِه ستعرفُ كيف يُفكر، وما هي الأولوياتُ بالنسبةِ له، كما ستُمكِّنُك هذه الطريقةُ من مساعدتِه في تطويرِ اختياراته مستقبلا.

خامسا: تلقين الطفل ثقافة ريادة الأعمال:

يمكن القولُ بأن ريادةَ الأعمالِ غَدَتْ ثقافةَ العصر، وإذا لم نلَقِّن أطفالَنا هذه الثقافة مع نُعومَةِ أظفارهم، فإنهم سيجدون صعوبةً في مواكَبةِ العصر وإثبات ذاتِهم في مجال ريادة الأعمال، ونحن عندما نتحدث عن تلقين الأطفال ثقافةَ ريادةِ الأعمال، فإننا نقصد بذلك ما يَتناسبُ مع سنِّهم ومستوى إدراكِهم وطاقتِهم الجسمية والنفسية.

يُمكنك تلقينُ ابنِك ثقافةَ ريادةِ الأعمال من خلال القيام بأمور يسيرة، مثل غرسِ شتلات في حديقة المنزل، أو تربية الطيور، أو إنجاز بعض الأعمال اليدوية، ومحاول بيعها ولو لأفراد الأسرة وزملاءِ الدراسة، فهذه الخطوات ستُعلِّمُه أهمَ مبادئ ريادة الأعمال، وستمكنُه من اكتسابِ خبرات تساعده على النجاح مستقبلا.

                سادسا: تحفيزُ الأطفالِ ومدحُهم:

                سبق لنا الحديث في النقطة الأولى عن الثقة بالنفس ودورِها في تنشئَةِ طفلٍ ذكي وناجح، ومن أهم الأمور التي تبني ثقة الطفل بنفسه المدحُ والتحفيز والتشجيع، أما أسلوبُ التأنيب والإحباط والمقارنة، فإنه يؤدي إلى هزيمةٍ نفسية وفُتورٍ في الهمة.

                أَكِّد لطفلِك بأن الخطأَ لا يعني أنه فاشل، بل يعني أنه يَسيرُ على طريق التَّعلمِ واكتساب الخبرة والتجربة، وبَيِّن له بأن الذي لا يُخطئ هو الذي لا يفعل أيَّ شيء، حَفِّزْه ليبدأ من جديد، وذكِّرْه بأنّ طريقَ التميز طويل، يحتاج إلى صبر ومُثابَرةٍ وثبات.

                ولا تغفل عن مَدْحِه أمام الآخرين، وذِكْرِ بعض الصفاتِ الإيجابية فيه، والتي تريد له أن يركِّز عليها ويُنمِّيها أكثَر، فتقول لهم مثلا وهو حاضرٌ معكم: ابني ذكي، يعشق التعلمَ والاستكشاف، وهو طيب وصادق، يحب الخيرَ للناس، ويُساعدُ أصدقاءَه ويحترم إخوته، ويعتمد على نفسِه في كلِّ شيء.

                فمثل هذه التصرفات العادية، تقوي ثقةَ الطفل بنفسه، وتُطلعه على جوانبِ قوتِه وتميُّزه، وتجعل علاقَتَه بوالديْه وأسرتِه أكثرَ متانةً وترابطا، وكلُّ هذه العواملِ الذهنيةِ والنفسية، تساعدُ على تحسين المستوى الفكري لدى الأطفال، وتصنع منهم عباقرةً أذكياء.

                سابعا: اللعب والمرح مع الأطفال:

                يُعدُّ اللّعبُ من الحاجياتِ الأساسية لدى الأطفال من أجل نُموِّهم الجسمي والذهني، لذلك يجب على الآباء العنايةُ بهذا الجانب، وتخصيصُ وقتٍ كافٍ للَّعب مع الأطفال والمرحِ معهم، الأمرُ الذي ستكون له نتائجُ طيبةٌ على نفسيةِ الأطفال والوالدين؛ حيث تَتوطَّدُ العلاقات الأسريةُ أكثر، وتسود المودةُ والألفةُ بيتَ العائلة، كما سيؤدي ذلك إلى تطوير مهاراتٍ مختلفة عند الأطفال.

                عليك أن تحرص على لعبِ أطفالِك ألعابًا ملموسةً وتشارُكيّة، والابتعادِ عن الألعاب الإلكترونية، فيمكنكم مثلًا لعبُ الكرة أو لعبةِ الاختباء، أو تركيبُ الألعابِ المفكَّكَة، وغيرها من الألعابِ الظريفةِ التي يُمكنُ لأفرادِ الأسرةِ المشاركةُ فيها.

يُلاحظ في كثيرٍ من الأبناءِ أنهم يُعانون من الخوف، ويَتعرَّضون للعقاب القاسي، والإذْلالِ المفرط، والمقارنةِ بينهم وبين من هو أفضلُ منهم في نَظر الأهل، وكلُّ هذه العواملِ تُؤثرُ على شخصيَّةِ الأطفالِ سلْبا، وتَجعلُهم مَسْلُوبِي الشخصية؛ لذلك سنُطلِعُكم في هذا المحور، على كيْفيةِ جعلِ أطفالِكم أقوياءَ الشخصية، عبرَ الخطواتِ التالية:

  • قَوُّوا إيمانَهم بالله تعالى:

من المهم جِدًّا تَنميةُ الجَوانِبِ الإيمانيةِ لدى الأطفال، وتَحدِيثُهم عن الله تعالى، وغرْسُ المعانِي الإيمانيةِ في قُلوبِهم؛ حَدِّثْهم عن رحمةِ اللهِ تعالى وفَضْله، وأنَّه خَلَقنا ومَنَّ عليْنا بالوُجود، وأنَّه هو الذي يُديرُ الكونَ ويُدبِّرُ شُؤونَه، وأنه يَسْمعُنا ويَرانا، ويَعلمُ ما نُفكِّرُ فيه وما يَدورُ في خُلْدِنا، وأنَّ الغايَةَ من وُجودِنا هي أن نَعبُدَه سُبحانَه، ونَعملَ الخيرَ لِنَنالَ رِضاهُ ونَدخُلَ الجنَّة.

  • اغْرِسْ قيمةَ الاطمئنان في أطفالِك:

عليك أن تَهتمَّ بمشاعرِ أطفالِك، وتُشعرَهم بالاطمئنان الداخلي، وتبتعدَ كلَّ البعدِ عن العقابِ القاسي الذي يُؤثِّرُ على شخصيتِهم، ويُشعِرُهم بخوْفٍ شديد، ويَسلُبُهم الشعورَ بالاطمئنان؛ فكُلَّمَا شعرَ الأطفالُ بالخوف، كلَّما قلَّتْ ثِقتُهم بأنفُسِهم؛ لأنَّ الخوفَ الزائدَ والدائِمَ من الأبويْن، سَيجعلُ ثقةَ الطِّفلِ بنفسِه مُنعدِمَة.

  • لا تُعامِلْ أبناءَك كقاض:

أيها الأبُ الطيب، لا تُعاملْ أبناءَك كأنَّك قاضٍ تَحلُّ النزاعات، وتُصدرُ الأحكامَ على المتهمين، ولا تَدخُل البيتَ وكأنَّك تَدْخلُ قاعةَ المحكمة، لا أيها الأب، عليك أن تغرسَ في أبنائِك قيمةَ الاطمئنانِ من خلالِ بَثِّ مشاعرِ الأُلْفةِ والمحبَّةِ والودِّ في أرْجاءِ البيت، وتَغافَلْ عن بعضِ الهَفواتِ التي تَصدُرُ عن أنبائِك، ولا تُحاسبْهم على كلِّ صغيرةٍ وكبيرة.

  • نَمِّ قيمةَ الاعتذارِ في أبنائِك:

من بين القيمِ التي تُقوِّي شخصيةَ الأبناء، قيمةُ الاعتذار؛ علينا أن نُعلِّمَ أبناءَنا الاعتذارَ إذا أخطأوا؛ لأنهم بذلك يَعترفُون بأخطائِهم، والاعترافُ بالخَطأِ فضيلة، والاعتذارُ عنه فضيلةٌ أخرى، وكِلاهُما فَضيلَتانِ تُعزِّزانِ روابِطَ الألفَةِ والمحبَّةِ بين البشر.

وأنت بدوْرِكَ أيها الأب أو الأم، اعتذرْ لأبنائِك إذا أخطأت؛ فكلَّما اعتذرَ الأبوانِ لأبنائِهم، كلَّما شَعَرَ الأبناءُ بأهميَّتِهم داخلَ الأسرة، وهذا يُقوِّي ثقتَهم بأنفسِهم، ويَجعَلُهم مُطمئِنِّين داخِليًّا.

  • عوِّدْ أطفالَك على الحديثِ أمامَ الآخرين:

درِّبْ أطفالَك على الحديث أمام الأخرين، وأتح لهم فرصة المشاركة في بعض الحوارات وفق ما تراه مناسبا، وإذا واجهَتْهم صعوباتٌ في التحدث أولَّ مرة، فاجْعَلْهم يتحدثون أمامَ المرآةِ بشكلٍ يومي، الأمرُ الذي سيُكسِبُهم ثقةً بأنفُسِهم، ويُمكِّنُهم من الحدثِ أمامَ الآخرين بكلِّ ارْتِياح.

  • خَلِّصْهم منَ الخوْفِ الذي يُضعِفُهم:

إنَّ أكبرَ عاملٍ في ضَعفِ شخصيةِ الأطفالِ وقلةِ ثِقتِهم بأنفُسِهم هو الخوف؛ فبسببِ خوْفِهم من العقابِ أو خوفِهم من الانْتِقاد، يَنكمِشُ الأطفالُ على أنْفسِهم، ويَفقِدون ثِقتَهم في قُدراتِهم، ويَجْتنبُون التَّحدُّثَ أمامَ الآخرين، والمشاركةَ في الأنشِطةِ التي يُمكنُها أن تُطوِّرَ قدراتِهم، فعلى الآباءِ الابتعادُ عن مَنْطقِ التَّخويفِ في تَربِيَّتِهم لأبنائِهم، وتَحسِيسِهم بالأمانِ والمودَّة، ليسْترْجِعوا ثِقتَهم بأنفُسِهم، وتُصبِحَ شخصيَّتُهم قويَّةً وناجِحة.


            يُعتَبَرُ الاعتداءُ الجنسِيُّ على الأطفالِ من المواضيعِ الحسّاسة، ويَميلُ الكثيرُ من الناسِ إلى تَجنُّبِ الحديثِ عنه، ومحاولةِ تجاهُلِه، أو نَفْي وجودِه في المجتمع، على الرّغم من كوْنِه ظاهرةً تَخَلَّلت كلَّ المجتمعاتِ بنِسَبٍ مُتفاوِتَة، من بينها المجتمعُ العماني، ولكنَّها ظهارةٌ محدودةٌ جدا حتى الآن، إلا أنه يَنبَغِي علينا التَّصدِّي لها بكلِّ السُّبُلِ لمحاربَتِها قدرَ الإمكان.

ونظرًا لخطورةِ هذه الظاهرةِ على الأطفالِ والمجتمعِ بصفَةٍ عامَّة؛ لا بُدَّ من طرْحِها وكشفِ اللِّثَامِ عنها، وتعريفِ الآباءِ بخطورَتِها، وتصحيحِ معتقداتِهم الخاطِئَةِ حولَها، حيث رَصدْنا في مركزِ “زُلْفى” للاستشارات الأسرية، مجموعةً من الأفكارِ والتَّصوُّراتِ الخاطِئة، التي ستكونُ سبَبًا في ازديادِ هذه الظاهرةِ وتفاقُمِها، ما لم يَتِمَّ تَصحيحُها وتغييرُها، وتَبنِّي أفكارٍ صحيحةٍ حولَها، وسَنعْرِضُ فيما يَلِي مجموعةً من تلك الأفكارِ المغْلُوطَةِ، مع توْجيهِها وتصحيحِها.

أولا: إحْصاءَاتٌ ومَفاهِيم:

سَنعْرِضُ بعضَ الإِحْصَاءاتِ التي تُبرِزُ لنا مدَى انتشارِ ظاهِرةِ الاعتداءِ الجِنْسِيِّ على الأطفال في المُجْتَمَعِ العُمَانِي، ولَسْنَا نَهدِفُ من وراءِ ذلك إلى إثارَةِ رُعْبِكُمْ، بل الْغَايَةُ من سَردِ هذه الإحْصائيات، هو الانتباهُ لخطورةِ الموضوع، وأخذُه على مَحْمَلِ الْجِدِّ.

لقد سَجَّلَتِ الْحَالاَتُ المبَلَّغُ عنها بوزارةِ التنميةِ الاجتماعيةِ ارتفاعًا بنسبةٍ تُقارِبُ 150 بالمائة في ظرْفِ سنَتيْن فقط، وذلك ما بَينَ عامَيْ 2016 و2018م، وكذلك الأمرُ بالنسبةِ لوزارة الصحة والاِدِّعَاءِ الْعَامِّ، فقد شَهِدَ كِلاَ القِطَاعَيْنِ ارْتِفَاعاً في مُعَدَّلاَتِ حَالاَتِ الاعتداء الجنسي المبلَّغِ عنها في المجتمعِ العماني.

وسَنَنْتَقِلُ بكم الآن لإلقاءِ نظرةٍ على بعضِ المفاهيم المُتَعَلِّقَةِ بالاعتداءِ الجنسي، من أجلِ التفريقِ بينها، ومعرفةِ الأشكالِ المختلِفةِ التي يَتَّخذُها الاعتداءُ الجنْسيُّ على الأطفال، ومن تلك المفاهيمِ ما يلي:

  • التَّحرُّشُ الجنْسي، وهو: سُلوكٌ مفْروضٌ على شخصٍ آخر، تُوظَّفُ فيه رُموزٌ وإيحاءاتٌ جنْسيَّة.
  • الاِسْتِغْلالُ الجنْسي، وهو: الاتصال الجنسيُّ بين طفلٍ وشخْصٍ بالغٍ من أجلٍ إرْضاءِ رغباتِ الطَّرَف الـمُعْتَدي، وذلك عن طريقِ القُوَّةِ أو السَّيْطرة، مع اسْتمراريَّةِ هذا الاعتداءِ وتكرُّرِه.
  • الاِغْتِصاب، ويُقصَدُ به: فرْضُ الاتصالِ الجنْسيِّ من طرَفِ شخصٍ على آخرَ عن طريقِ القوَّةِ والإكراه.

ثانيا: آثارُ الاعتداءِ الجنْسيِّ على الأطفال:

بعد إطلاَعِكُم على بعضِ أشْكالِ الاعتداءِ الجنْسي، والمصطلحاتِ التي تُعالَجُ في إِطارِها مثلُ هذه الاعتداءات، سننتقلُ بكم للحديثِ عن الآثارِ والمؤشراتِ التي تَدلُّ على وجودِ اعتداءٍ جنْسي أو حدوثِه، وهي مُقَسَّمَةٌ حسَبَ أنواعِها إلى عدةِ أقسام، نُعَرِّفكم عليها فيما يلي:

  • المُؤَشِّراتُ النَّفْسِيَّةِ، فبعد الاعتداءِ الجنْسي، تَحْدُثُ لِلطِّفل بعضُ التَّدَاعِيَاتِ النفسية، التي تَتجلَّى على شكْلِ اضْطرابٍ في النَّوم، أو خَدَرٍ شَدِيد، أو الخَوْفِ والقَلَقِ والاِنْعِزَالِ، والبكاءِ نتيجةَ الشُّعُور بالذَّنْبِ والْخَجَلِ والإِحْبَاطِ، واحْتِقَارِ الذَّاتِ، وفُقْدَانِ الثِّقَةِ بالنَّفْسِ.
  • المُؤَشِّراتُ المعرِفيَّة، يُصابُ الطفلُ المُعْتَدَى عليه جِنْسِياً بانْخِفَاضٍ في مُسْتَوَاهُ التَّعْلِيمِي والدِّرَاسِي، وذلك بسَببِ فقدانِ التَّركيز، وتَشَوُّشُ الذِّهْنِ، واشْتِغَالِه بالتفكيرِ فيما تَعَرَّضَ له.
  •  المُؤَشِّراتُ الاجتماعية، ومن المؤشراتِ الاجتماعيةِ على حدوثِ اعْتِدَاءٍ جنْسي؛ مَيْلُ الطفل إلى الاِنْعِزَالِ والاِبْتِعَادِ عن أَقْرَانِهِ، ومحَاولَتُهِ عَدَمَ الاِخْتِلاَطِ بالآخرين، ونُفُورُه من زيارةِ بعضِ الأقارب.
  • مُؤَشِّرُ الاِضْطِرَابِ الْجِنْسِي؛ حيث يُظْهِرُ الطِّفْلُ نَشَاطا جنْسِيّا مُبَكِّرا، واهتماما بأعْضائِهِ الجنسية، واشْتِغالاً بالمَوَاضِيعِ الجنسية، كما تَبْرزُ في بعضِ الحالاتِ سُلوكَات جنسيةٌ شَاذَّة.
  • المؤشراتُ السُّلٌوكِية، يُمْكِن اعْتِبَارُ مُؤَشِّرُ الاِضْطِرَابِ الجنْسي نوعا من المؤشراتِ السُّلوكيَّة، ولَكِنَّنا أفْرَدْناه بالذِّكْرِ لِخُصُوصِيَّتِهِ، ومن المؤشراتِ السلوكية، سُرْعَةُ الغَضَب، وخاصةً عندما يَلْمَسُه أحَدِهِم، والنُّفُورُ من المدرسة، والْهُرُوب منها ومن البيْت.

فهذه بعضُ المؤشِّراتِ التي ذَكَرْنَاها من أجلِ أن يَنْتَبِهَ لها الآباء، ويَحْرِصوا على تَفَقُّد أحوالِ أبنائِهم، وأخْذِ موضوعِ الاعتداءِ الجنْسي مَأْخَذا جِدِّيا، ولقد شَهِدْنا في مركزِ “زُلفى” للاستشارات الأسرية، قُوَّةَ الصَّدْمةِ التي أحَسَّتْ بها أمٌّ، بعد اكْتِشَافِها أنَّ ابنَها كان يَتَعَرَّضُ لاعتِداءٍ جنْسي من أحدِ الأَقَارِبِ كُلَّمَا ذَهَبَتْ إليهم، وأَخْبَرَتْنا هذه الأمُّ أن ابنَها كان يَمْتَنِعُ من الذَّهابِ معها لزِيَارَتِهِم، ولكنها كانت تَضْغَطُ عليه، فَأَحَسَّتْ بِنَوْعٍ من الذَّنْبِ لكونِها لم تَنْتَبِه لهذا المُؤَشِّر الذي كان يُظْهِرُهُ ابنُها، ويُحَاولُ أنْ يُخْبِرَها مِنْ خِلاَلِهِ بأنه يَتَعَرَّضُ هناك لاعتداءٍ جنْسي.

ثالثا: مُعْتَقَدَاتُ الآباءِ حَوْلَ الاِعْتِدَاءِ الجنْسي:

من الأُمُورِ التي قد يكون لهَا دَوْرٌ غَيْرُ مُبَاشِرٍ في انْتِشَارِ ظَاهِرَةِ الاِعْتِدَاءِ الجِنْسِيِّ على الأطفال؛ تِلْك المُعْتَقَدَاتُ الخَاطِئَةُ التي يَحْمِلُهَا الْكَثِيرُ من الآبَاءِ عنِ الاعتداءِ الجنسيِّ، والتي تُساهِم في توفيرِ الجوِّ المناسبِ لِلْمُعْتدي لِيَقُومَ بِجُرمِهِ، ومن تلك المعْتقَداتِ ما يلي:

  1. الاعتداءُ الجنسيُّ ناذِرُ الحُدوث: يَتصوَّرُ الكثيرُ من الآباءِ بأن الاعتداءَ الجنسيَّ ناذِرُ الحدوث، وأنه من المستَبْعَدِ وقُوعُ أبنائِهم ضحيَّةً له، في حين أنَّ الحقيقةَ خِلافُ ذلك، وكوْنُنا لا نَعرفُ بوُقُعِه لا يَعْنِي أنه لا يَحدُث، لِذا يَجبُ عليْنا الحَذَر، وأخْذُ الاعتداءِ الجنسيِّ على الأطفالِ في الحُسْبان.
  2. يَحدُثُ الاعتداءُ الجنسيُّ في أماكنَ بعيدَة: بسبَبِ حُسْنِ ظنِّنَا في مجتمَعِنا وأقارِبِنا، فإننا نعتَقِدُ بأن الاعتداءَ الجنْسيَّ على الأطفالِ يَقَعُ في مجتمعاتٍ وأماكِنَ بعيدَةٍ عَنَّا، نظرًا لكوْنِها مجتمعاتٍ غيرَ متدَيِّنَةٍ أو ما شابَه، ولكنَّ هذه الفِكْرَةَ خاطئةٌ تماما؛ فقد يَحدُث الاعتداءُ الجنسِيُّ على الأطفال في أيِّ مجتَمَع، بل وقد يَقَعُ في حَيِّك أو بيْتِك.

لا يَحتاج المُعتَدِي إلى مكانٍ بعيدٍ ومَخْبأٍ سريٍّ ليقومَ باعتدائِه كما تَظُنّ، بل قد يَقومُ بذلك في أقرَبِ نُقطةٍ منك، حيْثُ يَعملُ على بناءِ علاقةِ مودَّةٍ مع الطّفل، واستِدْراجِه إلى مكانٍ آمن بالنِّسبَةِ له، وقد يَكونُ ذلك المكانُ هو منزِلُك، فكُنْ على بصيرةٍ من هذه المسْألَة، وتَذَكَّرْ بأنَّ الاعتداءَ الجنسيَّ قد يَحدثُ في أيِّ مكانٍ وأيِّ زَمان.

  • يَتِمُّ الاعتداءُ على الأطفالِ من طَرفِ الغُرباءِ فقط: منَ المعتقداتِ الشَّائعةِ عند كثيرٍ من الآباء، أن الاعتداءَ على الأطفالِ جنسيًّا يَتمُّ على يَدِ الغُرباءِ والأَباعِدِ دون الأهلِ والأَقارِب، ولكنَّ هذه الفكرةَ غيرُ صحيحةٍ للأسف؛ لأنّ العديدَ من حالاتِ الاعتداءِ الجنسيِّ على الأطفال، كان المعتَدِي فيها أحدَ الأقارب، إما الجارُ أو العمُّ أو الخال، أو حتى الأبُ في بعضِ الحالات، فلا بُدَّ من التَّيَقُّظِ والانتباه، وأن يَحرِصَ الآباءُ على معرفةِ نوعِ العلاقةِ التي تَربطُ أبناءَهم بأقارِبِهم، وخاصةً الذين يتَرَدَّدون على البيتِ بشكلٍ مستمر.

لا يَعني هذا أن نُبالغَ في الحَذر، وأن نَفقِدَ ثقتنا في أحِبّائِنا وأقارِبِنا، وأن نعيشَ حالةً من الوَسْوَسَةِ وعدم الاِرْتِيَاح، ولكنه لا يعني أيضا أن نَتعاملَ مع الموضوعِ بمنتهى السَّذاجَة، فلا بُدَّ من حالةٍ وَسَط، وألا تَكون ثقتُنا في الآخرين ثقةً عمياء، بل ثِقةً منْضِبِطَة.

  • إذا تَعرَّضَ ابني للاعتداءِ فإنه لن يَصمُت: لا يَتخيَّلُ مُعظَمُ الآباءِ بأنّ الطّفلَ سيَسكُت عن الاعتداءِ الذي تَعرَّضَ له، وأنه سيَتْرُك الأمرَ سِرًّا، بل يَظنُّونَ أن أبناءَهم سيُبادِرُون بإخبارِهم عن أيِّ اعتداءٍ أو محاولةِ اعتداءٍ تعرَّضُوا لها، ولكنَّ الواقعَ خِلافُ ذلك؛ حيث يَلُوذُ الكثيرُ من الأطفالِ المعتَدَى عليهم بالصَّمت، ويتجَنَّبون إخبارَ أيٍّ كان، ولا يَعني ذلك قَبولَ الطفلِ بالاعتداء، بل حالةُ الصَّمةِ هذه نتيجةٌ لسوءِ التربية، وانعكاسٌ للسُّلطَةِ المفْرطَةِ لبعضِ الآباء، وعدَمُ إتاحةِ فرْصةٍ للأطفالِ بُغْيَةَ الحديثِ عن أنفُسِهم والتَّعبِيرِ بحريةٍ عن أفكارِهم، بالإضافةِ إلى تَخوُّفِه من إثارةِ موضوعٍ كهذا، حتى لا يُتَّهمَ بسوءِ الأدبِ وقلَّةِ الحياء.

ومن هنا يَجبُ عليْنا تَبنِّي أسلوبٍ مُختلِفٍ في تَربيَّةِ الأبناء، وتَلقِينَهم ثقافةَ الحوار، وإعطائِهم فرصةً أكبرَ للحديثِ والتَّعبيرِ عن ذاتِهم، وإشعارِهم بالثِّقَةِ والأمان، وفي هذه الحالةِ فقط، سيُخبِرُك ابنُك بأيِّ شيءٍ مُريبٍ أو تصرُّفٍ مُشينٍ يتعرَّضُ له، وتَستَطيعُ حينها تَجنُّبَ الاعتداءِ قبلَ وقوعِه، أو علاجَ تداعِيّاتِه بأسرعِ وقتٍ ممكن.

  • الطّفلُ هو السّبَبُ في الاعتداءِ الجنسي: ونَختِمُ هنا بواحدةٍ من الأفكارِ الخطيرةِ لدى بعضِ الآباء، وهي أنَّ الطفلَ المعتَدَى عليه له دورٌ في هذا الاعتِداء، وأنه هو السببُ في حدوثِه، مما يُؤدِّي إلى تَعنيفِ الطفلِ ومُعاقَبَتِه ونَبْذِه، الأمرُ الذي يُؤثِّرُ على نفسيَّةِ الطفلِ بشكلٍ كبير، ويُسبِّبُ له حالةً من الحُزنِ العميق؛ فبَدَلَ أن يَتلقَّى من وَالديْه الدعمَ والمُواسَاة، ليَتجاوَزَ تأثِيراتِ الاعتداءِ النفسيةَ والجسديَّة، يَتَعرَّضُ إلى أَلَمٍ نفسيٍّ وجسديٍّ مضاعفٍ، بسبَبِ المعاملةِ التي يَتلقّاها من والديْه.

وهذه الفكرةُ مغلوطةٌ للأسف؛ فالطّفلُ مجرّدُ ضحيَّة، مهما كانت مُلبَساتُ الاعتداء، لأن المعتدِيَ هو الذي أغْراهُ واستَدْرَجَه، واستغلَّ ضعْفَه وسذاجَتَه، وهو الذي يَتحمَّلُ كاملَ المسؤولية، ويَجبُ أن يقعَ العقابُ عليه وحدَه، أما الطفلُ المعْتَدَى عليه، فتَنبَغي مُعامَلتُه بلُطْف، ومُساعَدَتُه ودعْمُه ليَتجاوَزَ تداعِياتِ الاعتِداء، ونَكسِبَ ثقَتَه، وبذلك نَحمِيه من الوقوعِ ضحيةً للاعتداءِ مرَّةً أخرى.

رابعا: دورُ الأُسْرَة قبلَ وبعدَ حدُوثِ الاعتداءِ الجنسي:

إنَّ المسؤوليةَ الواقعةَ على كاهِلِ الأسرةِ جَسِيمَةٌ جدا، وخاصَّةً إذا علِمْنَا بأنها تضْطَلعُ بدورٍ مُهِمٍ في الحدِّ من الاعتداءِ الجنسِيِّ قبلَ وبعدَ حدوثُهِ، وذلك من خلالِ توفيرِ الاحْتِياجاتِ الضَّرُورِيَّةِ للطِّفل، وإشباعِ رغباتِهِ العاطفيَّةِ، وبناءِ علاقةٍ قَوِيةٍ معه أساسُها الثِّقة والحوار، والبَوْح والمكاشَفَة، حتى يَقُصَّ الطفلُ لوالديْهِ ما يَحدثُ له ويُهَددُ أمْنَهُ وسلامَتَهُ، وخاصةً إذا علِمْنا أنَّ كثيرا من الأبْناءِ المُعْتدَى عليهم يلُوذُون بالصَّمْتِ خوفا من اللَّوْمِ والعِقابِ، ووَصْمَةِ العارِ التي قد تلحقُهم.

كما تُعْتبرُ المشاكِلُ داخلَ البيْتِ وتَفَكُّكُ الأُسْرَةِ، عاملاً مُساعِداً على خَلقِ ضَحَايا الاعتداءَاتِ الجنسيَّةِ في وسَطَ الأطفالِ؛ حيث يفْتَقِدُ الأطفالُ حَنَانَ البيتِ ورِعَايَةَ الوالدَيْنِ، ويُصْبِحُونَ فريسةً سهْلَةً للذِّئَابِ المترَبِّصةِ بهم.

ويَنبغي أن تَحْرصَ الأُسرةُ على تلقِينِ أبنائِها شيئا من الثَّقافَةِ الجنْسِيَّةِ، وتحْذِيرَهُم من اللَّمْس واللَّعِبِ غيرِ البرِيءِ، كما يتعَيَّنُ على الوالدَيْنِ أن يكونوا على دِرايةٍ بأصدقاءِ أطفالهِمْ وخُلَطائِهِم، ومعرفةِ اهتماماتِهِم.

إلا أن ذلك كلَّهُ لا يُغنِي عن دوْرِ الأخِصَّائِيِّين، وخاصةً بعدَ وقوعِ الاعتداءِ؛ حيث يُنصَحُ في مثل هذه الحالةِ زيارةُ مراكزِ الاستشاراتِ الأسريةِ، والاسْتِعانَةِ بالمخْتَصِّين، لمساعَدَةِ ضَحايا الاعتداءِ على تجاوزِ صَدْمةِ الحَدثِ وتَداعِيَّاتِه.

                نظرًا لتطور المجتمعِ العماني خاصة، والعربيِّ بشكلٍ عام، فقد أصبحَ خروجُ المرأة للعمل ودخولُها مجالَ الوظيفة وريادةِ المشاريع، أمرا شائعًا ومنتشرًا، فهل لهذه التطوراتِ أيُّ أثرٍ على تربيةِ الأبناء وعلاقةِ الزوجين إيجابًا أو سلبًا؟ ذلك ما سنحاولُ التعرُّفَ عليه في موضوعنا هذا، انطلاقا من الاستفساراتِ والاستشاراتِ التي وَرَدَتْ على مركز زُلْفَى للاستشارات الأسرية، وغيرِها من الدراساتِ الاجتماعية.

                إن الجديدَ في هذا الموضوعِ ليس هو عملَ المرأة، بل ظروفُ هذا العملِ وطبيعتُه، وإلا فإن المرأةَ لَطالمَا كانت تَعملُ في الحقولِ وتُساعدُ في أعمالٍ مختلفة، بالإضافةِ إلى اختصاصِها ببعض الحِرَفِ اليدوية، مثل الطَّرْزِ والحِياكَة، إلا أنَّ قيامَ المرأةِ بهذه الأعمالِ في القديم لم يكن له تأثِيرٌ ملحوظٌ على حياةِ الأسرة؛ إذ لم تكن المرأةُ تتغيَّبُ عن البيتِ وقتًا طويلا، ولم تكن أماكِنُ العملِ مختلِطَةً كما هو الحالُ في زمانِنا، ومن هنا كان عملُ المرأةِ في العصرِ الرَّاهنِ مختلفًا عن عملِها في القديم، وبالتالي فإن انعكاساتِه على تربيةِ الأبيناءِ وعلاقَةِ الزوجين سيكونُ مُختلِفًا.

                هل أتَزَوَّجُ امرأةً عاملة؟

                يُلاحظُ بأن نظرةَ المجتمعِ نحو المرأةِ العاملةِ بدأت تتبدل من الرَّفْضِ المطلَق، إلى نوعٍ من القَبُولِ والتَّعايُشِ مع هذا الوضعِ الجديد، بل إن بعضَ الشبابِ يُفضّلونَ الزواجَ بامرأةٍ لها وظيفةٌ ودَخْل، بدلَ الزواجِ بامرأةٍ لا تعمل، وذلك بهدفِ التعاونِ على مصاريفِ البيت وتكالِيفِ المعيشة، وتلبيةِ طلباتِ الأبناءِ والحياةِ التي تزدادُ تعقيدًا يومًا بعدَ آخر.

بينما نجدُ بأنّ فئةً أخرى من الشباب والآباء، يَرفضونَ تزوِيجَ أبنائِهم من امرأةٍ عاملة، وذلك إمّا بسببِ نظرتِهم عن المرأة العاملة، أو تَخوُّفِهم من تَقْصِيرِها في حقِّ زوجِها وبيتِها وأبنائِها، ولكن هل يُؤثر عملُ المرأةِ على قيامها بواجبِها تُجاهَ البيتِ والزوجِ والأبناء؟

                خروجُ المرأةِ للعملِ وأثرُه على حياتِها وبيتِها:

                عند مناقشتِنا للآثارِ المترتِّبَةِ عن خروجِ المرأةِ إلى سوقِ العمل، لا بد من مراعاةِ جانبين: أولًا جانبُها النفسي، وجانبُ الأبناءِ والزوجِ والبيت، وغالبًا ما تكون لحالَتِها النّفسيَّةِ انعكاساتٌ على قيامِها بواجبِها تُجاهَ أسرتِها.

لا يمكنُنا إصدارُ أحكامٍ مطلقة، والقولُ بأنّ المرأةَ التي تدخلُ سوقَ العملِ وتَخُوضُ غمارَ رِيادةِ الأعمال، هي امرأةٌ غيرُ مرتاحةٍ نفسيًّا، وأن المرأةَ غيرُ العاملةِ والمستقرَّةِ في بيتِ زوجِها أحسنُ حالًا وأهْنَأُ نفْسًا، فقد تجدُ امرأةً موظَّفَةً تعيشُ راحةً نفسيةً وسعادَةً زوجيَّة، بينما تَجدُ بالمقابلِ امرأةً غيرَ عاملةً تُعانِي من مشاكلَ نفسيةٍ وزوجيةٍ بسبب عدم عملِها، وتقصيرِ زوجِها في تلبيةِ احتياجاتِ البيت.

والذي يَنبغِي التّركيزُ عليه، هو أنّ سعادةَ المرأةِ العمالةِ وراحتَها، مَرْهونٌ بقدرتِها على التحكمِ في مشاعرِها، واختيارِها للعمل الذي يُناسبُها، ويُمكِّنُها من القيامِ بحقوقِ البيت والأبناء، فإذا كانت تشتغلُ في وظيفةٍ بدَوامٍ جزئيٍّ لا يتجاوزُ خمسَ ساعاتٍ في اليوم، مدةَ ثلاثةِ أيامٍ في الأسبوع، فإن هذا العملَ قد لا يُؤثِّرُ سلْبًا على حياتِها وأسرتِها، ويُوفّرُ لها بالمقابلِ دخلًا تستطيعُ من خلالِه المساعدةَ في تحسينِ الحالةِ الماديةِ للأسرة، ولكنَّ عملَها في وظيفةٍ تأخذُ مهنا جُلَّ وقتِها وجهدِها، سيؤثِّرُ غالبًا بشكلٍ سلبي على تربيَّتها لأبنائِها واهتمامِها بزوجِها وبيتِها.

بعضُ العواملِ المؤثرةِ على خروجِ المرأةِ للعمل:

هناك عواملُ خارجيةٌ تؤثِّرُ على المرأةِ العاملة، وتجعلُ خروجَها للعملِ ينعكِسُ سلْبًا على أسرتِها وزجِها وأبنائِها، ومن تلك العوامل ما يلي:

  • علاقةُ المرأةِ بالأسرة؛ فإن كانت علاقتُها بأسرتِها طيِّبَةً، وتربطُها بوالدَيْها وإخوتِها وزوجِها محبَّةٌ عميقةٌ وثِقةٌ متبادلة، وتقديرٌ واحترام، فإن هذه العلاقةَ ستُساعدُها على نجاحِها في عملِها، وستمَكِّنُها من القيامِ بواجبِها تُجاه أسرتِها وبيْتِها بتَفانٍ وتضحيّة، وأمّا إن كانت علاقَتُها بهم هَشَّة، وثقةُ الطرفيْن في بعضِهما شبهُ منعدِمَة، فإن خروجَها للعمل سيزيدُ الوضْعَ سوءًا والعلاقةَ اضطرابا.
  • رعاية الأبناء؛ فإذا كانت المرأةُ تترُك أبناءَها عند خروجِها للعمل في عُهْدَةِ جدَّتِهم أو خالَتِهم أو عمَّتِهم، ولا تَغيبُ عنهم لوقتٍ طويل، وتُحاولُ التّعويضُ عن غيابِها بتوفيرِ أكبَرِ قدْرٍ من الاهتمامِ والمحبَّةِ لأبنائِها عند تواجُدِها بالبيت، فإن خروجَها للعملِ في هذه الحالَةِ لن يُؤثِّرَ على تربيةِ الأبناء، ولكنَّها إن تركَتْهم مع عامِلَةٍ، فقد لا تعتَنِي بهم كما ينبغي، وغالبا ما يَكتسِبُ الأبناءُ في هذه الحالةِ أخلاقًا وقيَمًا سيِّئَة، ويكونُ غيابُ الأمِّ عن البيت سببًا في تعلُّمِهم سلوكاتٍ مشِينَة، وهنا يكونُ خروجُ المرأةِ للعملِ عاملًا من عواملِ انحرافِ الأبناءِ.

وفي حالةِ ما إذا وجدت المرأةُ صعوبةً في المزاوَجَةِ والتّوفيقِ بين أسرَتِها ووظيفَتها، فيمكنُها إطلاقُ مشروعِها الخاص، حتى تتمكَّنَ من التّحكّمِ في وقْتِها، كما يُمكنُها الاقتصارُ على العملِ من المنزل، لتبقى دائمًا بجنْبِ أبنائِها، وتعمَلَ على القيامِ بواجباتِها الزّوجيَّةِ والأسريّة.

عملُ المرأةِ ونجاحُها في دورِها الأسريّ:

ليس من العدلِ الحكمُ على المرأةِ العاملةِ بأنَّها فاشلةٌ في حياتِها الزّوجيةِ والأسرية، وأنها مُقصِّرةٌ بالضرورةِ في حقِّ زوجِها وأبنائِها، فهناك الكثيرُ من النساءِ العاملات، اللواتي يَعشْنَ استقرارًا أسريًّا وسعادةً زوجية، بالإضافةِ إلى كونِهِنَّ يُقدّمْنَ خدمَةً جليلَةً للمجتمع؛ حيث نجدُ بأنَّ عملَ المرأةِ في بعضِ القطاعات، وخاصةً التي لها صلَةٌ بالأطفالِ والصِّحةِ والرِّعايَة الاجتماعية، كانت له آثارٌ إيجابيّةٌ على المجتمع، بالإضافةِ إلى حُسْنِ تربيَتِهِنَّ لأبنائِهِنَّ، ونجاحِهِنَّ في زواجِهِنَّ، والنساءُ العاملاتُ معنا في مركزِ زُلْفَى للاستشاراتِ الأسريَّة، خيرُ دليلٍ على ذلك.

مَنْشأُ مُعظَمِ مشاكلِ البَشريَّةِ والنزاعاتِ والعداواتِ عبرَ التاريخ هو غيابُ الحِوار، واعتمادُ مبدأِ الرَّأيِ الواحد، وعدمُ الاستماعِ للآخر، ومن هنا تَنشَأُ كذلك مُعظَمُ المشاكلِ العائليَّةِ والخلافاتِ الأسَريَّة، وهو نفْسُه الخطأُ الذي يَقَعُ فيه الآباءُ عندَ التَّحدُّثِ مع أبْنائِهم وتربيَّتِهم وتوجِيهِهم، حيثُ تَجدُ الآباءَ يَتعاملون من مُنْطلَقِ السُّلطَةِ ووُجُوبِ الطَّاعةِ والتَّنفيذِ، من دُون مُناقَشةٍ أو مُحاوَرة، مما يُخلِّفُ فَجْوةً بين الآباءِ والأبناء، تُؤدِّي في الأخيرِ إلى تَمرُّدِ الأبْناءِ على آبائِهم، وهَجْرِ البيتِ أو الانْحراف، وغيرِ ذلك من أشكالِ التَّمرُّدِ على هذا النَّمَطِ السُّلطوِيِّ في التَّربيَّة، وتَجنُّبًا لمثلِ هذا المصير، سنُحاوِلُ تَعريفَكم الآنَ على سُبلِ الحِوارِ الفعَّالِ مع الأبناء، من خلالِ نِقاطٍ أرْبعَةٍ:

  1. إتاحَةُ فرصةٍ للتَّعبير: ما دُمتَ تَمنعُ أبناءَك من الحديثِ وطرحِ أفكارِهم والتَّعبيرِ عن آرائِهم، فإنك لن تَتمكَّنَ من فهمِهم، ولن تَعرفَ طموحاتِهم واهتِماماتِهم، بل ولن تَعلمَ حتى بالمشاكلِ التي يَتعرَّضُون لها، وبالتالي فإنك في الغالبِ لن تَتَّخذَ قراراتٍ صائِبةً فيما يَتعلَّقُ بحياتِهم ومُستقْبَلِهم، ولن تَستطيعَ التَّدخُّلَ في الوقت المناسبِ لتحُلَّ مشاكلَهم، فعلى الأبويْن أن يُتِيحَا لأبنائِهما مساحَةً أكبرَ للتَّعبيرِ والحديثِ لبِناءِ جِسْرٍ من الثِّقةِ والتَّفاهُم بينَهم.
  2. حُسنُ الاستماع: ومن أجلِ مُساعدَةِ أبنائِك على الإفْصاحَ لك عَمَّا يَشعرونَ به ويَرغَبونَ فيه، وما يَخافونَه أو يَتعرَّضون له من إِساءَة، عليك أن تَتحلَّى بصِفةِ المستَمعِ الجيِّد، وأن تُتقِنَ مَهارَةَ الإنْصاتِ باهتِمامٍ وتَمعُّن، وألا تُقاطِعَهم أثْناءَ الحديث، كما يَنبَغي أن تَتفاعَلَ مع مَضمُون حديثِه بِبعْضِ التَّعابيرِ والحرَكات، ليَشعُرَ باهتمامِك وتفهُّمِك لمشاعِرِه وأفْكارِه.
  3. الابتعادُ عن الأحكامِ المسْبَقة: لا تُحاوِرْ أبناءَك من مُنطلَقِ أنَّهم أطفالٌ صِغارٌ لا يَعرفون شيْئًا، ولا يَفهَمون حقيقةَ الأمور، وأنَّهم قَلِيلُو الخبْرةِ والتَّجرِبَة، وأنَّ أفكارَهم خاطئَةٌ ولا حاجةَ لمناقَشتِها، يَنبغِي أن تَبتَعِدَ عن مثلِ هذه الأفكارِ المسبَقة، وأن يَكون عندَك استعدادٌ لتقَبُّلِ آرائِهم، وأخذِ أفكارِهم بعيْنِ الاعتِبار، ولا بَأسَ بأن تُخالِفَه الرَّأي، ولكن يَنبغي أن تُبيِّنَ له سَببَ اختلافِك معه، وأن تَشرَحَ له وِجهَةَ نَظرِك، وأن تَطْلُبَ منه التَّعليقَ عليها، ولا تَسْتخِفَّ بأفكارِه، ولا تَرفُضْها جُملةً واحدةً من غيرِ تَفسير، لأنَّك بذلك لا تُحاوِر، بل تَأمُرُ وتَفرِضُ سُلطةً فقط، وتُحاولُ التَّغطِيَّةَ على ضَعفِ قُدراتِك في الشَّرْحِ والإقْناع، بِسلْطةِ الأبِ والأم، ولا يَكونُ الحِوارُ مُجْديا في مثلِ هذه الحالة.
  4. المصاحَبةُ منْذ الصِّغر: إنَّ الحِوارَ الجيِّدَ أساسُهُ الفهمُ العميق، والمعرفةُ الواسِعةُ بالطَّرفِ الآخر، ومن هنا يَنبَغي على الآباءِ أن يَحرِصُوا على مُصاحَبةِ أبْنائِهم منذ طُفولَتِهم، وتَكوينِ علاقةٍ وطِيدَةٍ معهم، وتَعوِيدِهم على النِّقاشِ والحديث، مما يُكسِبُهم فهما جيِّدًا ومعرفةً عميقَةً بطباعِهم وأفكارِهم واهتماماتِهم، وانطلاقًا من هذه المعرفة، يُمكن للوالِديْنِ مُحاوَرةُ أبنائِهم بشكلٍ جيِّد، ويُسهِّلُ عليهم إقْناعَهم بالأشياءِ الجيدة، وإبعادَهم عَمَّا لا يَنفَعُهم،  وكَسْبِ ثِقتِهم والتَّأثِيرِ فيهم.

وجُملَةُ القوْلِ أنَّ الحوارَ نُقطةٌ أساسِيَّةٌ في بِناءِ أسرةٍ مُتماسِكةٍ ومُترابِطة، يَسُودُها التفاهُم والتَّآلُف، ويَغمُرُها الحبُّ والوِئام، كما أنه أفْضلُ سبيلٍ نَكسِبُ من خلالِه ثقةَ أبْنائِنا، ونُوَطِّدُ به علاقَتَنا معهم، مما يَجعلُنا على دِرايةٍ بكلِّ اهتماماتِهم وانشغالاتِهم، ويُمكِّنُنا من تَقديمِ النُّصْحِ والتَّوجِيه لهم في الوقتِ المناسبِ وبالطريقةِ المؤَثِّرة، فاحرِصَا أيُّها الأبويْنِ الكريمين، على غَرْسِ ثقافةِ الحوارِ في أبنائِكم مع نُعُومَة أظافِرِهم، والْتَزِمُوا مِن جهتِكم بِمبادِئِ الحوارِ المثمِرِ معَهم، بعيدًا عن السُّلطَويَّةِ والتَّعنُّت، التي لا تُثمرُ سوى فَجواتٍ بينَكم وبين أبنائِكم.

كثيرةٌ هي النَّصائِحُ والتوجيهاتُ التي يُمكنُ أن نَسمَعَها ونَتلقَّاها فيما يَتعلَّقُ بتربيَّةِ الأبناء، وقد تَستمِعُ إلى محاضراتٍ مُطوَّلَة، وتُسجِّلُ في دَوراتٍ مُتخصِّصةٍ في مَجالِ التَّربيةِ النَّاجِحةِ والوالِديَّةِ المثالِيَّة، وهذا أمرٌ مهمٌ ومطْلوب، ولكنني سأُقدِّمُ لك فيما يَلي خمسةَ مَفاتِيحَ ذهبية، تَفتحُ لك أبْوابَ التَّربيةِ المثْلَى والتَّعامُلَ الأفضلَ مع الأبناء، فأرْجو أن تَكونَ منتَبِها لهذه المفاتيحِ الذَّهبيَّةِ وأن تَعمَلَ بها.

المفتاحُ الأول: اللُّجوءُ إلى اللهِ تعالى:

فأوَّلُ وأهمُّ مفتاحٍ في هذه المجموعةِ هو مِفتاحُ الدُّعاءِ واللُّجوءِ إلى اللهِ عز وجل، راجِيًا منه سبحانُه أن يُوفِّقَك في تربيَّةِ أبْنائِك، وأن يُلهِمَهُم الرُّشْدَ والسَّداد، وأن يُحبِّبَ إليهم الخَيْرَ ويُصلحَ أحوالَهم، ويَجعلَهم قرَّةَ عين لك، ومصدَرَ فخْرِك وابْتِهاجِك، ولقد وجَّهَنَا اللهُ عز وجل إلى هذا المبدأِ العظيم، حيثُ ذكرَ أن مِن دُعاءِ عبادِ الرَّحمن قولُهم: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74].

فلا تَغْفَلْ عن هذا الدعاء، ولا تَعتَمدْ على جُهدِك وخبرتِك في التربيَّةِ وحدَها، بل وظِّفْ ما تعرِفُه وما تُتقِنُه في تَربيَةِ الأبناءِ مُتوكِّلًا على الله تعالى، ومُفوِّضًا إليه أمرَ صلاحِ أبنائِك، لأنه سبحانَه هو القادِرُ على ذلك، ودليلُ توكُّلِك عليه كثرُ تردِيدِك لهذا الدُّعاء، وخاصةً عندما تكون بعيدًا عنهم بسببِ ظُروفِ العملِ، أو انتقالِهم للدراسةِ في أماكِنَ بعيدة، ولن يَخِيبَ ظنُّك باللهِ تعالى.

المفتاحُ الثاني: القراءةُ والتَّعلم:

يَعتقِدُ الكثيرُ من الآباءِ والأمَّهات، بأن مَعهُم من المعْرِفةِ والخِبرةِ في مَجالِ تَربيَّةِ الأبناء، ما يَجعَلُهم في غِنًى عن مُطالَعةِ أي كتابٍ في الموضوع، أو مُتابَعةِ دَوْرةٍ أو بَرنامَجٍ يَهتمُّ بتوجِيهِ الآباءِ نحو الطُّرُقِ الأفضلِ في التعامُلِ مع الأبناءِ ومُتطلَّباتِهم، وهذا اعتقادٌ خاطئ؛ فنحن كُلَّما قَرأنا حولَ موضوعٍ ما، وتَعرَّفْنا على آراءِ المختصين فيه، كُلَّما كنا أكثرَ درايةً بذلك الموضوع، وأقدرَ على النجاحِ في التعاملِ معه.

ومن هنا تُعتبَرُ القراءةُ في موضوعِ تربيةِ الأبناء، مِفتاحًا ذهبيا تَطَّلِعُ من خلالِه على معارِفَ ودراساتٍ ومعلوماتٍ تُساعِدُك على تربيَّةِ أبْنائِك تربيَّةً حسَنَة، وإقامةِ علاقةٍ جيِّدَةٍ معهم، وتُمِدُّك بالآلياتِ التي تَستطيعُ من خِلالِها التعاملَ مع المشاكلِ والإكراهاتِ التي تَعْترِضُ الوالديْنِ في العصْرِ الرَّاهِن.

المفتاحُ الثالث: معرفةُ الفرْقِ بين التَّربيَّةِ والرِّعايَة:

يُعتبَرُ الخلْطُ بين الرِّعايةِ والتربيةِ سبَبًا من أسبابِ عَدمِ نجاحِ كثيرٍ من الآباءِ في تربيةِ أبنائِهم، وشُعورِهم بالصَّمدةِ عندَما يَكتشِفُونَ انحِرافَ أحدِ أبْنائِهم بعد سنواتٍ من الجُهْدِ والتَّعبِ في تلبيَّةِ رغباتِ الأبناءَ وتوْفيرِ حاجِيَاتِهم، ويَعتقِدُون أنهم بذلك كانوا يُربُّون ويُنشِّؤُون أبناءَهم تَنشِئَةً حسَنة، ولكنَّهم كانوا في الحقيقةِ مُقتَصرين على دوْرِ الرِّعايَة.

لذلك يُعدُّ التَّفْريقُ بين دوْرِ الرِّعايةِ والتَّربيةِ أمرًا في غايةِ الأهمية، ومبدأً أساسيًّا في التربيةِ الجيِّدَةِ الناجِحَة؛ فالرِّعايَةُ تَتعلَّقُ فقط بالجَوانِبِ الماديَّةِ الملْمُوسَة، من قَبِيلِ تَوفِيرِ المأكلِ والملبَس، وتَهيِيئِ المسكَنِ المناسِب، وما شابَه ذلك، وأما التَّربيَّةُ فإنها مفهومٌ أعمَقُ وأكثرُ تأثيرًا، وتَتجلَّى التَّربيةُ في دِفْءِ الأُبُوَّةِ وأُلْفَةِ البيتِ وتَراحُمِ الأسرة، وسَكِينةِ العيْشِ وطُمأنِينةِ الحياة، وتَتجلَّى كذلك في اقتِطاعِ جزْءٍ من وقتِكَ للجُلوسِ مع أولادِك والحديثِ معهم، ومُشارَكتِهم في اهتماماتِهم ومشاغِلِهم، وبذلك تَكتَشفُ الجوانِبَ الإيجابيَّةَ والسَّلبيَّةَ في شخصيَّاتِهم، وتستطيعُ عندَها اتِّباعَ الأسلوبِ الأمْثلِ في التَّعاملِ معهم وتوْجيهِ سلوكِياتِهم.

المفتاحُ الرَّابِع: التَّربيَّةُ بالحُب:

من الملاحظِ أنَّ مُجتمَعاتِنا العربِيَّةَ تَميلُ إلى تَفضِيلِ أسلوبِ التَّرهيبِ والتَّهديدِ في تَربيَّةِ الأبناء، وتُركِّزُ على ضَرورةِ حُضورِ الوالدَيْن، وخاصةً الأبَ، بصورةٍ تَفْرضُ المهابَةَ والإجْلال، ولكنَّ هذا المبْدأَ يَتعارُضُ ومُنطَلقاتِ التَّربيَّةِ السَّليمَة، ومن هنا نَجعلُ المفْتاحَ الرابعَ من مفاتِيحِ التربيةِ الناجِحةِ: التَّربيةَ بالحُبِّ والحَنان، وجَعْلَ العلاقَةِ بيْن الآباءِ والأبْناءِ علاقةَ مودَّةٍ وطُمأنِينَةٍ وسَلام.

لا تَخْجلْ من التَّعبيرِ عن حُبِّك لأبنْائِك بالقوْلِ والاحْتِضان، وتَقبِيلِ الصِّغارِ مِنهم، والمسْحِ على رأْسِهم ومَسْكِ الأيْدي، واستِعْمالِ عباراتٍ ودُودةٍ لطِيفَة، ونَظراتٍ حنُونَةٍ دافِئة، وجعْلِهم يَشعُرون بسَلامٍ واطمِئْنانٍ في حُضورِك.

وعن طريقِ هذه المحبَّةِ والمودَّةِ، ستَكُونُ تَوجِيهاتُك التَّربَويَّةُ أكثرَ عُمقًا وتأثِيرًا، وسيكون الأبناءُ أكثرَ إصْغاءً وسعْيًا لإرْضاءِ الوالديْن، وتَعيشُ الأسرةُ في بهْجةٍ وسَعادَة.

المفتاحُ الخامس: نَجاحُ العلاقَةِ الزوجيَّة:

تُؤثِّرُ العلاقةُ بين الزوْجيْن على تربيَّةِ الأبناءِ إيجابًا وسلْبا؛ فإن كانتْ علاقَتُكما أيُّها الزوْجانِ الكريمانِ طيِّبةً ناجحة، فسَيَنْعَكِسُ ذلك على الأبناءِ إِيجابًا، ويَجعلُ تربيَّتَهم أسْهلَ وأكثرَ إرْضاء، وأمَّا في حالةِ وجودُ خلافاتٍ زوْجيَّةٍ كثيرَة، وتَفاقُمِ المشاكِل داخلَ البيْت، فإن ذلك سيُؤَثِّرُ على الأبناءِ سلْبًا، ويَجعلُ تَربيَّتَهم أصْعَب، ويَجرُّهم إلى العديدِ من المشاكِلِ النفسِيَّةِ والانْحرافاتِ الخُلُقِيَّة.

فعلى الزوجيْنِ أن يَبْذُلا كلَّ ما في وُسْعِهما لجعْلِ علاقَتِهما ناجِحة، والاتِّفاقِ على أهَمِّ النقاطِ في تَربيَّةِ الأبْناء، وتوْحيدِ أهدافِهما في الحياة، وتَقريبِ وِجْهاتِ النَّظرِ بيْنهما، مع ضَرورَةِ التَّصالُحِ مع الذَّاتِ أوَّلا، ثم مُصارَحَةِ الطَّرفِ الآخرِ والاعْتذارِ له عن أخْطائِك، والتَّجاوُزِ عن تَقصِيرِه وعُيوبِه، من أجلِ بدْءِ مرْحلةٍ جديدةٍ تكونُ أكثرَ سعادةً ومودَّة، وسَيكُون لهذا الأمْرِ آثارٌ كبيرَةٌ على تربيةِ الأبْناء؛ لأن نجاحَ الزوجيْنِ في علاقَتِهما، يُعتَبَرُ مِفتاحًا رئيسِيًّا في تربيةِ الأبناءِ تربيةً ناجحةً ومتميِّزَة.

ابدأ في كتابة لمعرفة المنتجات التي كنت تبحث عن.
متجر