انْطِلاقاً مِنْ بَعضِ الْعَيِّنَاتِ والْحالَاتِ الزَّوْجيَّةِ، التِي تَأْتِي لاِسْتِشارَتِنا في مَرْكزِ “زُلْفَى” لِلِاسْتِشاراتِ الأُسَريَّةِ، فَقد شَخَّصْنَا بَعْضَ أكْثرِ الأَسْباِب التي تُفاقِمُ المشَاكِلَ الزَّوجيَّةَ وتَزيدُها تَعقيداً، لذلك ارْتأَيْتُ أنْ أُوَجِّهَ إلَيكُما أيُّها الزَّوجَانِ الْكَريمانِ، خَمْسَ نَصائِحَ ذَهَبِيَّةٍ تُجَنِّبُكُما الوُقُوعَ في الْكثيرِ منَ المْشاكِلِ الزَّوجيَّةِ، وَتَحُولُ دُونَ تَفَاُقِم الخِلَافاتِ الصَّغيرَةِ وتَحْويلِها إلى مُشْكِلاتٍ عَوِيصَةٍ، فَأَرْجُو أنْ تَسْتَمِعوا لِهذه النَّصائِحِ بِتَرْكيزٍ وإِمْعَانٍ.
أولا: تَجَنَّبَا إِدْخالَ الأَهْلِ في خِلافِاتِكُما:
مِنَ الخَطأِ أنْ نَلْجأَ عند ظُهُورِ أيِّ خلافٍ، وَبُرُوزِ أدْنى مُشكِلةٍ في حَياتِنا الزَّوجيّةِ، إلى الِاتِّصالِ بِالأَهلِ، وَدَعْوَتِهِم لِلتَّدَخُّلِ من أَجْلِ حَلِّ هذا المُشْكِلِ، وَوَضْعِ حَدِّ لِهذا الِاخْتِلافِ، وَغالِباً ما يُؤَدِّي تَدَخُّلُ الأَهْلِ إلى تَفَاقُمِ المَشاكِلِ بَيْنَ الزَّوْجيْنِ، بل وَتَصْدِيرَها لِتُصْبِحَ مُشْكلةً بَيْنَ عَائِلَتيْنِ.
فَعَلَى الرَّجُلِ الحَكيمِ والمرأةِ الْوَاعِيَةِ، أنْ يَتَجَنَّبا إِشراكَ أَهْلِيهمْ في حياتِهِم الزَّوجيّةِ، وتَدَخُّلِهم في مَشاكِلِهما الخَاصَّةِ، ويَجِبُ عليهما بِالمْقُابِلِ، مُناقَشةُ المُشكِلةِ مع بَعْضِهِما بِهُدُوءٍ، وَمُحاوَلَةُ إِيجِادِ نِقاطٍ لِلتَّقارُبِ والتَّوَافُقِ، ولَوْ اقْتضَى الأَمْرُ تَنَازُلَ أحَدِ الطَّرفَيْنِ قليلًا مِنْ أَجْلِ مَصْلحةِ الْجميِع، وَاسْتِمْرارِ العَلاقَةِ الزَّوْجيَّةِ.
ثانيا: تَقَبَّلاَ طِبَاعَ بَعضِكُما:
أُوَجِّهُ خِطابِي هُنا إلى المُقْبلِينَ على الزّواجِ وَالمْتُزوِّجينَ على السَّواءِ، قائِلاً لهم: اخْفِضُوا مُسْتوَى تَطَلُّعاتِكُم وَتَوقُّعَاتِكُم، ولا تَنْتظِرٌوا مِنْ شَريكِ الحَياةِ أنْ يَكونَ شَخْصاً مِثَالياً؛ تُعْجِبُكم كُلُّ تَصَرُّفاتِهِ وطِبَاعِهِ وأَفْكارِهِ وانْفِعَالاَتِه، فهذا أكْبرُ وَهْمٍ يَعِيشُ به كَثِيرٌ من الناس، ويُسَبِّبُ لهم مشاكلَ كَثيرَةٍ مع مَنْ يَعِيشُونَ مَعهمْ ويُخالِطُونَهُم في حَياتِهِمْ.
أَزِلْ عَنكَ هذا الْوَهْمَ، وتَقَبَّلْ شَريكَ الحياةِ كَما هُوَ، وتَعَامَلْ مع شَخْصِيَتِهِ وطِبَاعِهِ ومُيُولَاتِه على أنَّها جُزْءٌ منْ ذَاتِه لا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ منه، وليس أمَامَكَ خِيَارٌ آخَرَ غَيْرَ التَّعَايُشِ، وإلَّا فَإنَّك سَتَجُرُّ نَفْسَكَ إلى مُشْكلاتٍ أنْتَ في غِنًى عنها، وسَتَجْعَلُ شَريكَ حيَاتِك، بَلْ وَكُلُّ مَنْ يُحِيطُ بِكَ، يَتَجَنَّبُكَ ويُحاوِلُ الِابْتِعادَ عَنْكَ.
عَلَيكَ أنْ تَعْرِفَ بِأنَّكَ نَشَأْتَ في مُحِيطٍ مُعَيَّنٍ، وأنَّ لَكَ طِباعاً وأفْكَاراً اكْتَسَبْتها مِنْ عائِلَتِكَ وتَجارِبِكَ، ومِنْ أشْياءٍ لم يَعِشْها أحَدٌ غَيرَكَ، فَأنْتَ مُتَمَيِّزٌ في بَعضِ جَوَانِبِكَ، وَلكَ خِصِالٌ وَطِباعٌ لم يَأْلَفْها غَيْرُكَ، وكذلك شَرِيكُ حَياتِكَ؛ فَهُوَ بِدَوْرِه عَاَش في كَنَفِ أُسْرةٍ أخرى، وتَرَبَّى على يَدِ وَالِدَيْنِ غيْرَ وَالِدَيْكَ، وَخَاضَ تَجَارِبَ، وتَلَقَّى مَعلُوماتٍ وأفْكَاراً تَخْتَلِفُ عن أفْكَارِكَ ومَعَارِفِكَ، بَلْ إنَّ جِنْسَهُ يَخْتلِفُ عن جِنْسِكَ؛ فإنْ كُنتَ أنتَ ذَكَراً فَهي أُنْثَى، وإنْ كُنتِ أنْتِ أُنْثى فَهِو ذَكَرٌ؛ فَكَيفَ تُريدُ مِنه أنْ يَكونَ مِثْلَكَ في أفْكَارِكَ وتَصَرُّفاتِكَ ومُيُولَاتِكَ؟ هذا أمْرٌ لا يُعْقَل، بل إِنَّهُ يَتَنَاقَضُ مع سُنَّةِ الاِخْتِلافِ التي أَوْجَدَها الله تعالى، وهو الْقائِلُ سبحانه: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36].
ثالثا: صَارِحا بَعْضَكُما بِكُلِّ وُضُوحٍ:
الصَّرَاحَةُ والوُضُوحُ مِنْ أهَمِّ المَبَادِئِ التي تَقُومُ عليها الحَيَاةُ الزَّوجيَّةُ السَّعيدَةُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعامُلِ الزَّوجَيْنِ مع بَعْضِهِما بِوُضُوحٍ وشَفَافِيَةٍ، والحَديثِ عَن مَشاعِرِهِما وخَوَاطِرِهِما بِكُلِّ صَراحةٍ وأَدَبٍ، وبِذلِك تَتَوَطَّدُ عَلاقَتُهُما أَكْثَر، ويَصيرَانِ أكْثَرَ تَفَاهُماً وتَقَبُّلاً لِبَعْضِهما.
وهُنَا أَنْصَحُ الزَّوجَيْنِ بِتَخْصِيصِ أوْقاتٍ لِلْجُلوسِ والْحَدِيثِ في مَوَاضِيعَ مُخْتلِفَةٍ، وعَدَمِ الِاقْتِصارِ على أَحَادِيثِ غُرْفَةِ النَّوْمِ، ويُفَضَّلُ الخُروجُ أحْياناً لِأَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ أجْلِ النِّقَاشِ وتَجَاذُبِ أطْرافِ الحَديثِ، وليس مِنَ الضَّرورَةِ الحَدِيثُ عن عَلاقَتِهِما وحَيَاتِهِما بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ، بَلْ إنَّ حَديثَهُما في أيَّ مَوْضُوعٍ ثَقَافِيٍّ أَوْ اجْتِماعِيٍّ أوْ اقْتِصادِيٍّ، سَيُسَاعِدُهُما على فَهْمِ بَعضِهِما أكْثَرَ، ويُقَرِّبَ وِجْهَاتِ النَّظَرِ بيْنَهُما، ويُجَنِّبُهُما الكَثيرَ مِنَ الخِلاَفاتِ والنِّزَاعاتِ.
رابعا: اكْتَسِبَا ثَقَافَةَ الِاعْتِذَارِ:
ليس مِنَّا مَنْ لا يُخْطِئْ ويُقَصِّرْ في حَقِّ الآخَرينَ، وليس مِنَّا مَنْ ليس لَهُ عُيُوبُهُ ونَقَائِصُهُ، فَلَا تَتَكَبَّرْ على شَرِيكِ حَياتِكَ، وَلا تَتَرَدَّدْ في الِاعْتِذارِ لَهُ عَنْ أيِّ خَطَأٍ أَوْ هَفْوَةٍ صَدَرَتْ مِنْكَ، ولا تَعْتَقِدْ بِأنَّ ذلك يُقَلِّلُ مِنْ قِيمَتِكَ عِندَهُ، بَلْ على الْعَكْسِ تَماماً؛ سَتَزيدُ قِيمَتُكَ في نَظَرِ شَريكِ حَيَاتِكَ كُلَّما اعْتَذَرْتَ له عن أخْطائِكَ، وعَبَّرْتَ له عَنْ أنَّكَ أخْطَأْتَ في حَقِّهِ وتُرِيدُ منه أنْ يَصْفَحَ عَنكَ، كَمَا أنَّك سَتَشْعُرُ بِالرِّضَا عن نَفْسِكَ، وسَيَزيدُ تَقْديرُكَ لِذَاتِكَ، وبِذلكَ تُصْبِحَانِ زَوْجَيْنِ أكْثرَ مَحَبَّةً وَتَآلُفاً.
خامسا: لا تَلُوذَا بِالصَّمْتِ:
عندما تُوَاجِهَان مُشْكلةً في حَيَاتِكُما الزَّوجيَّةِ، لا تَلُوذَا بِالصَّمْتِ، ولا تَفْرِضَا على حياتِكُما حَالةً مِنَ السُّكُوتِ السِّلْبِيِّ، والِانْفِصالِ العَاطِفِيِّ، بَلْ تَحَدّثَا عَنها بِكُلِّ وِدٍّ وأُلْفَةٍ، حتَّى لا تَكْبُرَ تلك المَشَاكِلُ في صَمْتٍ، وتَتَحَوَّلَ إلى قَنَابِلَ مَوْقُوتَةٍ، وأَلْغامٍ تُهَدِّدُ حيَاتَكُما الزَّوجِيَّةَ في أيِّ لَحْظةٍ.
تَحَدَّثا لِبَعضِكُما عمَّا يُزْعِجُكُما، وَفَضْفِضَا بِكُلِّ أَرْيَحِيَّةٍ، وأصْغِيَا لِبَعضِكُما، وهذا الكَلامُ مُوَجَّهٌ لِلزَّوجِ بِالدَّرَجَةِ الأُولَى؛ لِأنَّ الزَّوجةَ في حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى حُضْنٍ يُدفِّئُها، وقَلْبٍ يَتَعَاطَفُ مَعَهَا، وأُذْنٍ تُصْغِي لِهُمُومِهَا وشُؤُونِهَا، ولَكنْ انْتَبِهِي أيُّها الزَّوجةُ مِنْ خَطَأٍ تَقَعُ فيه الكَثِيرُ مِنَ النِّسَاءِ، وهُوَ كَثْرَةُ الشَّكْوَى والتَّذَمُّرِ، فَقَدْ تَدْفَعِينَ زَوْجَكِ إلى الِابْتِعادِ عَنْكِ، واجْتِنَابِهِ الْحَديثَ مَعَكِ، بِسَبَبِ تَشَاؤُمِكِ وسِلْبِيَّتِكِ.