تَبدأُ الحياةُ الزوجيةُ مُفْعَمةً بالمحبَّةِ والسَّعادَة، وطافِحةً بالأُلْفةِ والتَّفاهُم، إلا أن ذلك لا يَدومُ لوقْتٍ طويل، فبعْدَ مرورِ أشهُرٍ أو سنواتٍ قليلة، تَأخُذُ نِسبَةُ الحَيوِيَّةِ الزَّوجيَّةِ في الانْخِفاض، وتبدأُ مُعدَّلاتُ الدِّفْءِ والمودةِ في التراجع، وتكثُرُ التَّحديَّاتُ والإكْراهاتُ التي تُعكِّرُ صَفْوَ الحياة، ويَنصَرِفُ كِلَا الزَّوجيْن لشُؤُونِ العَملِ والتَّربيَّةِ والبَيْت، تارِكينَ زَهْرَةَ زَواجِهم تَذْبُلُ وتَمُوت، ولِتجنُّبِ هذا المصيرِ المشْؤُوم، سأُحدِّثُكم الآن عن عشرةِ مفاتيحَ ذَهبِيَّةٍ تُحققُ السَّعادَةَ الزوجيَّة، وتُساعِدُنا في الحِفاظِ على الأُلْفَةِ والدِّفْءِ والمودَّةِ في بُيوتِنا وحَياتِنا.
المفتاحُ الأول: تجديدُ العلاقةِ الزوجيَّة:
مِن الجميلِ حَقًّا أن نُجددَ حياتَنا الزوجيَّة، وأنْ نَكسِرَ الرَّتابَةَ التي تُسببُ بُرودَ وفُتورَ العلاقةِ بين الأزواج، وذلك من خِلالِ القِيامِ بأشْياءٍ غيْرِ مُعتادَة، والخُروجِ في نُزهَةٍ غيرِ مُتوقَّعَة، وشرَاءَ هديَّةٍ بشكْلٍ مُفاجِئ، واستِعمالَ عِباراتٍ لم يَسبِقْ لشَريكِ الحياةِ أن سَمعَها مِنك، وبذلك تَجرِي دماءٌ جديدةٌ في علاقَتِكما، وتَشعُرانِ وكأنَّكُما تَزوَّجتُما من وَقْتٍ قريب.
المفتاحُ الثاني: الصَّراحَةُ والوُضوح:
لا يُمكِنُ لعلاقَةٍ مبْنيَّةٍ على الكذِبِ والخِداعِ أن تَكونَ علاقةً سعِيدةً وجيِّدَة، ولا يُتصوَّرُ أنها تَسْتمِرُّ لوقِتٍ طوِيل، وهنا نَحُثُّ كِلا الزَّوجيْن على اتِّباعِ الصِّدْقِ والمصارَحةِ والوُضوحِ مع شَريكِ الحياة، وأنْ نُفصِحَ له عَمَّا يُزعِجُنا فيه بكُلِّ احتِرام، مع استِعْدادِنا لتقبُّلِه بكلِّ ما فيه.
ليس من الضَّرورِيِّ أن تَكونَ جارِحًا لتكونَ صادِقا، وليس من الضَّرورِيِّ كذلك أن تَكونَ كاذِبًا لتَكونَ محْبُوبًا، بل الأفْضَلُ من كلِّ هذا وذاك، أن تكونَ صَراحَتُك مُهذَّبَة، وأن يكونَ كلامُك هادِفًا، أمَّا الكَذِبُ فإنَّه يَجرُّ إلى انْعدامِ الثِّقةِ والسَّكِينَةِ في الحياةِ الزَّوجيَّة، ويُفْضِي في كثيرٍ من الحالاتِ إلى الطَّلاقِ وتشتُّتِ الأسَر.
المفتاحُ الثالث: الاهتِمامُ بشَريكِ الحياة:
يُتعبَرُ الاهتِمامُ من أكثرِ الأمورِ المفْضِيَّةِ إلى اكتِسَابِ قلْبِ شَريكِ الحياة، وجَعلِهِ أكثرَ تعلُّقًا بك، فليَحْرصْ كِلا الزَّوجَين على الاهْتمامِ بشريكِ الحياة، سواءٌ كان ذلك من خِلالِ الكَلِماتِ أو النَّظراتِ واللَّمَسات، أو من خِلالِ تقدِيمِ خدْمَة، وشِراءِ هديَّة، والوقُوفِ بجنْبِه في اللَّحظاتِ المهمَّةِ بالنِّسْبةِ له، ولا تَشتَرِطْ على الطَّرَفِ الآخرِ أن يُبادِلَك نفْسَ الاهْتِمام، بل أُبْذُلْ له أنت اهتِمامَك، وسَيَعودُ عليك ذلك بِشكلٍ إيجابي.
المفتاحُ الرابع: الثَّناءُ والتَّحفِيز:
لقد خَلَقَ اللهُ الإنسانَ وجَعلَه مُتطَلِّعًا إلى بعضِ الحاجِياتِ النَّفسيَّة، ومن أكثرِ تلك الحاجِياتِ النَّفسيَّةِ إلْحاحًا وتَأثِيرا، الشُّعورُ بالتَّقدير، وسَماعُ كلماتِ الثَّناءِ والشُّكرِ والإعْجاب، وتَلقِّي المدْحِ والتَّحفِيزِ ممَّنْ نُقدِّمُ لهم خدمةً أو نُساعِدُهم في أمرٍ ما، وهذا الأمرُ ضرورِيٌّ بين الأزْواجِ أكثرَ من غيْرِهما؛ حيثُ تَشْعرُ الزَّوجَةُ بالسَّعادةِ والنَّشاطِ كُلَّما تَلقَّتْ دعْمًا وتَشْجيعًا ومدْحًا من زَوْجِها، ويَشعُرُ الزوْجُ كذلك بالأهمِّيَّةِ والرِّضا كُلَّما سَمِعَ من زوْجَتِه عِباراتِ الإعْجابِ والثَّناء، ويَدفَعُهما ذلك إلى العَطاءِ أكْثَر، والشُّعورِ بالحُبِّ والتَّقديرِ المتَبادَل.
المفتاحُ الخامس: الإفْصاحُ عن المشارِعِ السَّلبِيَّة:
هذه نقط أذكر بها مرارا وتكرارا، وأحذر الأزواج من خطورتها، وهي كبت الأحاسيس وكتم المشاعر، وترك الانطباعات السلبية حبيسة الصدور، مع العلم أنها في هذه الحالة تتفاقم وتتضخم أكثر، حتى تنفجر في لحظة غضب عابرة، لتتحول إلى بركان هائج؛ وكثير ما نسمع في مجتمعاتنا عن وقوع الطلاق بين زوجين، دام زواجهما عشرين سنة أو أكثر، ولم يسبق لهما أن وقعا في مشاكل كبيرة وخصومات شديدة، فكيف وصلا في الأخير إلى حالة الطلاق؟ السبب هو أن أحد الزوجين كان ينزعج من تصرفات الطرف الآخر، ولا يفصح له عن ذلك ولا يصارحه به، وظل يكتم هذا الأمر في نفسه، وهو يكبر ويتحول إلى كره وعداء، أفضى في الأخير إلى الطلاق والانفصال.
يعتقد الكثيرون بأن عدم الإفصاح عن المشاعر السلبية يساعد في الحفاظ على الاستقرار الأسري، ولكن الواقع خلاف ذلك، والذي ينصح به الخبراء هو أن يفص الزوجان لبعضهما عن مشاعرهما وانطباعاتهما السلبية، ويحدثا بعضهما بوقار ومودة، ويفرغا الشحنات السلبية عن طريق الفضفضة والتعبير؛ فسيساعدهما ذلك على التفاهم أكر، وتجنب ما يزعج كلا منهما، ويضمنان استمرار العلاقة الطيبة بينهما.
المفتاحُ السَّادس: عدمُ الإِكثارِ من الشَّكوَى والانْتِقاد:
هل تَعرِفونَ لماذا يُفضِّلُ الكثيرُ من الرِّجالِ الجُلوسَ في المقْهَى مع الأصْدِقاء، أو الدَّرْدَشَةِ عبرَ تَطبِيقاتِ التَّواصُلِ الاجتِماعِي، وتَفْضِيلَ الكثيرِ من النِّساءِ الحديثَ مع صدِيقاتِها، والتَّواصُلِ مع أشخاصٍ في العالَمِ الافْتِراضِي؟ الجوابُ هو أنَّهم لا يَسمَعُونَ هُناك شَكاوَى وانتِقادات، ولا يَتلقَّوْنَ كَلِماتٍ مُحبِّطَةً وجارِحَة، بل يَسمَعونَ أشياءَ إِيجابِيَّة، وعِباراتٍ مُفرِحةً ومُضْحِكة، لذلك تَجِدُ الزَّوْجَ يَكرَهُ الدُّخولَ إلى البيْت؛ لأن زوجَتَه ستَتَلقَّاه بالكثيرِ من الشَّكاوَى والانْتِقادات، وتَكْرَهُ الزوجةُ الجُلوسَ مع زوْجِها؛ لأنها ستَسْمعُ منه ما يَجْرَحُها ويُصِيبُها بالحُزْنِ والإحْباط.
وأَطلُبُ من القارِئِ الكريم، كما أَفْعلُ مع مَن يَأتِي إليَّ في مرْكزِ “زلفى”، بأن يُعوِّدَ لِسانَه على قوْلِ الأشياءِ الإِيجابِيَّة، واجْتِنابِ الشَّكوَى والتَّذَمُّر، والابتِعادِ عن الانْتِقادِ اللَّاذِعِ والكلامِ الجارِح.
المفتاحُ السابع: الاهتِمامُ بالعلاقَةِ الحَمِيمِيَّة:
مع مُرورِ الوقْت، يَبْدأُ الزَّوجاِن في إِهْمالِ العَلاقَةِ الحَميميَّة، واعْتِبارِها شَيئًا ثانَوِيًّا في حياتِهما الزَّوجِيَّة، وهذه فِكرةٌ خاطِئَة، تُسبِّبُ الكثيرَ من المشاكلِ النَّفسيَّةِ والعاطفِيَّة، وتُؤدِّي إلى البُرودِ والفُتورِ في الحُبِّ بين الزوجَيْن، ومن هنا نَنْصَحُكم بالاهْتِمام بِعلاقَتِكما الحَميميَّة، وإِضْفاءِ الدِّفْءِ والمودَّةِ عليْها، وتَبادُلِ بعضِ الأحاديثِ الشاعِريَّةِ أثْناءَها، فليْسَ هذا وَقْتا مُناسِبا للحَياء، ولقد اعتَبَرَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ المعاشَرَةَ بين الزوجيْن من أنْواعِ الصَّدقات، في قولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلام: “وفِي بُضْعِ أَحَدِكم صَدَقَة”.
المفْتاحُ الثامِن: تَجنُّبُ الحَساسِيَّةِ الزائِدَة:
لا يُعقلُ إقامَةُ زواجٍ ناجِحٍ وحَياةٍ سعيدَةٍ في ظِلِّ وُجودِ حساسِيَّةٍ ونُفورٍ بين الزَّوجيْن؛ لأنَّ الحياةَ تَتحوَّلُ إلى سِجْنٍ وعَذاب، ما دامَ هُناكَ حَساسِيَّةٌ بين الزَّوجيْن، فَحَساسيَّةُ الزَّوجَةِ من ثِيابِ زَوجِها وأكْلِه وجِسْمِه، ونُفُورَها من الاقْتِرابِ منه، وَحساسِيَّةُ الزَّوْجِ من كلامِ زَوْجتِه وطِباعِها ولِباسِها، سيُؤدِّي بلا شَكٍّ إلى تَدْميرِ الزَّواجِ وإنْهاءِ علاقَتِهما.
لذلك نقَولُ بأنَّ التَّقبُّلَ أمرٌ ضرُورِيٌّ لنَجاحِ العَلاقَةِ الزَّوجيَّة؛ فما دُمْتَ قَد اخْتَرْتَ هذه المرأَةَ لتكونُ رَفيقَةَ درْبِك، ومَا دُمْتِ قد اخْترْتِ هذا الزَّوْجَ ليَكونَ شَريكَ حَياتِك، فيَجِبُ عليْكُما أن تَتقبَّلا بَعضَكُما، وأن تُقْنِعا أنْفُسَكُما بِضَرُورَةِ احْتِواءِ الآخَرِ واعْتِبَارِه جُزاءً مِنك بِكُلِّ ما فيه من إِيجابِياتٍ وسَلْبِيَّات.
المفْتاحُ التاسع: الابْتِعادُ عن الإدْمان:
تَرِدُ عليْنا في مَركَزِ “زُلْفَى” للاسْتِشاراتِ الأسرية والاجتماعيَّة، الكثيرُ من الحالاتِ التي تُواجِه مَشاكِلَ بِسبَبِ إدْمانِ الطَّرَفِ الآخرِ في العَلاقَةِ الزَّوجيَّة، وغَالِبا ما تَشْتَكِي الزَّوجاتُ إدْمانَ أزْواجِهنَّ تَعاطِيَ الخُمور، أو اللَّهْوَ بألْعابِ الفِيدِيُو، كما قد يَشْتَكِي بعضُ الرِّجالِ من إِدْمانِ زوْجاتِهِنَّ على مَواقِعِ التَّواصُلِ الاجتِماعي، ومُشاهَدَةَ فيدْيُوهاتِ المشاهيرِ والمُمَثِّلين، وتُؤدِّي مثلُ هذه المشاكلِ إلى إهْمالِ الطَّرفِ الآخَر، والتَّقصِيرِ في حَقِّه، وعَدَمِ قِيامِ الشَّخصِ المدْمِنِ بِواجِبِه تُجاهَ أسْرَتِه وشَريكِه في الحياة، وتُؤدِّي في بعضِ الحلاتِ إلى الطلاق، أو عيْشِ حياةٍ بئيسةٍ مَليئَةٍ بالمشاكلِ والصُّعُوبات.
المفتاحُ العاشر: التَّسامُح:
جَعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ العلاقَةَ بين الزوجَينِ قائِمةً على المودَّةِ والرَّحمَة، ومِن لوازِمِ هذه الرَّحمةِ التَّسامُحُ والعَفْو، والتَّجاوُزُ عن الكثيرِ من الأخْطاءِ والهَفَوات، التي قد يَقَعُ فيها كِلَا الطَّرفيْن، ولا يُمكنُ أن نَبْنيَ بيْتًا سعيدًا وأسرةً مُنسجِمَةً إذا كان أحدُ الزَّوجيْنِ سيَجْعلُ من نَفسِه قاضِيا يُراقِبُ ويُحاكِمُ شَريكَ الحياةِ على كلِّ صَغيرةً وكَبيرَة، ويُحاسِبُه على كلِّ هَفْوَةٍ أو تَقْصير، إنه بذلك سيُصْدِرُ حُكمًا بالقَضاءِ على السَّعادَةِ الزَّوجِيَّة، وأمْرا بالتَّعاسَةِ الدَّائِمة.
فعلى الزَّوجيْنِ أن يَتراحَما ويَتَسامَحا، ويَغُضَّا الطَّرْفَ عن كثيرٍ من الأمور، وليسَ الذَّكِيُّ من يَنتَبِه لكلِّ خطأٍ مهما كان صغيرا، بل الذَّكيُّ هو الذي يَتغَافَلُ عن الأخطاءِ الظاهِرة، ما دامَ يَعلمُ بأنَّها لن تُؤثِّرَ على سلامَةِ واستِقرارِ الحياةِ الزَّوجيَّة.