مشكلةُ الطلاقِ مسألةٌ عوِيصَة، تُؤرِّقُ المجتمع العماني كغيرِه من المجتمعات، وتُأثّرُ بشكْلٍ سلبي على عدةِ جوانبَ من حياة الأفراد والأسر، سواءٌ من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وتُعاني عدة أطراف من هذه الآفة؛ فهناك الطَّلِيقان من جهة، والأبناءُ من جهة أخرى، وأُسَرَ الأزواج ومجتمَعُهم من جهة ثالثة.
ونحن عندما نحدثُكم عن مشكلة الطلاق، لا نحاول تَهْوِيلَ الموضوع وتَضْخِيمَه، ولكننا ننطلق من أرقام وإحصائيات، ونَستَنِد إلى لقاءات واستشارات ترد علينا في مركز زُلْفَى، وبناءً على تلك الاستشارات كذلك، سنحدد أهم أسباب الطلاق في المجتمع العماني، وأبرز مراحلِه، كما سنبين في الأخير سُبَلَ علاج هذه المعْضلة، وطرق الحفاظ على استقرار الزواج وإنجاحه.
أولا: مراحل الطلاق:
لا يحدث الطلاق بين عشية وضحاها، ولا ينتهي بمجرد حكم المحكمة، بل إن له عدة مراحل، يمكن تلخيصها في ثلاث مراحل بارزة، وهي:
- مرحلة ما قبل الطلاق: حيث يعيش الزوجان مع بعضهما تحت سقف واحد، ولكن في حالةٍ من الصمت الزواجي، والتَّصَحُّرِ العاطفي، وفتورِ العلاقة وبُرودِها، ثم يتحول ذلك الصمت والفتور إلى رغبة معلنة في الطلاق والانفصال.
- مرحلة الطلاق القانوني: حيث تكون عند كلٍّ من الزوجين قناعةٌ تامةٌ بالطلاقِ من الجانب القانوني والشرعي، وتؤثر هذه المرحلةُ على الطرفين ماديا بشكل واحض، وخاصة فيما يتعلق بتكاليف النفقة والحضانة.
- مرحلة ما بعد الطلاق: تؤثر هذه المرحلة على الجانب النفسي لكلٍّ من الطَّليقَين؛ فيبدأ الزوجان بالتفكير في حياتهما بعد الطلاق، ونظرة المجتمع إليها، ومستقبل أبنائهما، وغيرِ ذلك من الهموم التي تُثْقل كاهِل الطليقين، وتُتعبُهما نفسيًّا.
ثانيا: أسباب الطلاق:
بعد أن حدثتكم عن أهم المراحل التي يمر بها الطلاق، ننتقل الآن إلى بيان الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، ويمكن القول بأن هناك أسبابا عامةً وأسبابا خاصةً:
- الأسباب العامة:
وهي الأسبابُ التي قد تؤدي إلى الطلاق في أي مجتمع، وفي مقدمتها ما يلي:
- عدم القدرة على الإنجاب؛ وذلك لسبب عضوي أو بسبب عدم رغبة أحد الطرفين في الإنجاب، فإذا كان سببا عضويا فإن الطب الحديث قد أحرز تقدما كبيرا في هذا المجال، مما يساعد على تجاوز هذه المعضلة مع الحفاظ على العلاقة الزوجية.
- سوء المعاملة بين الزوجين، وتصرف أحد الطرفين بقلة أدب، وعدم احترام الطرف الآخر، واحترام أهله، أو ممارسة العنف عليه.
- الفتور في العلاقة العاطفية والحميمية؛ مما يدفع أحد الطرفين إلى الخيانة الزوجية.
- مرض أحد الزوجين، وخاصة إذا كان مرضا مزمنا، ولكننا نرى في الكثير من الحالات، أن العلاقة الزوجية تستمر، ويُظهر الطرفُ المعافَى وفاءً للطرف المصاب، ويُغْدِقُ عليه من عنايته واهتمامه.
- تعدد الزوجات؛ فالزوجة نادرا ما تقبل بأن يتزوج زوجها بامرأة أخرى، فتطلب منه الطلاق، أو أن علاقتهما تسوء بشكل كبير بعد الزواج الثاني.
- عدم قدرة الزوج على تحمل نفقات الأسرة، إما لضعف حالته المادية، أو بسبب مُغالاة الزوجةِ في طلباتِها، ومحاولتِها مجاراةَ صديقاتها الثَّريَّاتِ في اللباس والاستهلاك.
- إدمان المخدرات أو بعض السلوكيات المنحرفة، التي تجعل من الصعب على الطرف الثاني الاستمرار في العلاقة الزوجية.
- أسباب الطلاق في المجتمع العماني:
تبين لنا في مركز زلفى، أن أهم أسباب الطلاق في المجتمع العماني، بالإضافة إلى ما سبق، تتجلي فيما يلي:
- سوء اختيار شريك الحياة؛ إذ يَفْتَقِرُ معظمُ المقبلين على الزواج إلى المهارة اللازمة لاختيار الشريك المناسب.
- اختلاف أنماط التفكير عند كل من الزوجين؛ فاختلاف بيئة الزوجين قد تكون سببا في عدم التفاهم والتوافق، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى الطلاق.
- الزواج المبكر.
- تدخل أهل الزوج والزوجة في حياة الزوجين.
ثالثا: كيفية تفادي أسباب الطلاق:
إن الهدف من معرفة الأسباب المؤدية إلى الطلاق، هو العمل على تجنبها والابتعادِ عنها ما أمكن، وخاصةً عن طريق اتباع الإرشادات التالية:
- شارك في دوراتٍ تدريبية وبرامج تكوينية قبل اختيارك لشريك حياتك، وذلك انطلاقا من جوانب مختلفة، وعلى رأسها الأسرة والمحيط، ومعرفة الدوافع إلى الزواج أهي مادية أم عاطفية، وغير ذلك مما يعينك على اختيار الشريك المناسب لتكوين بيت مستقر وسعيد.
- قف بالمرصاد أمام محاولات أسرتيكما التدخل في شؤنكما الزوجية، وأبقيا مشاكلكما الخاصةَ بعيدةً عن الوالدين والإخوة وغيرهما؛ لأن تدخل الأسر غالبا ما يؤدي إلى فشل العلاقات الزوجية، وإذا احتجتما إلى استشارة ومساعدة، فحاولا الاستعانة بمراكزَ مختصة، فذلك أَجْدى وأنفع.
- اعْمَل على تقبل الاختلاف، والرضى عن الطرف الآخر، وتقدير ما يقوم به من جهود، واحترامِ وجهة نظره؛ فليس من الضروري أن تتفقا في كلِّ شيء، ولن تشعر بالسعادة إذا كان شريكُك نسخةً منك؛ يفكر كما تفكر، ويتفق معك في كل شيء؛ لأنه في هذه الحالة لن يضيف إلى حياتك أي معنى.